ما يحكمشي
يبدو وإن فهمي يزداد بطء مع السن، والسن له أحكام. وبالإضافة للبطء العام في الفهم يبطئ أيضا الفهم المعدل لمنطق الناس الذي تكون عبر السنين، فالفهم العادي غير الفهم المعدل، فهناك "بروجرام" مخصوص لمحاولة تفسير تصرفات الناس لا يصلح لتفسيرها البروجرام الأصلي المخصص لفهم الدنيا.
سن الواحدة كبر كمان على إنها تتعلم الشتيمة. بالرغم من إنني أستعيض بالسخرية عن السباب الذي لا معنى له، فقد استنفدت الكثير من طاقاتي وأصبحت أكثر ميلا للتعبير عن الغضب بطرق مريبة ... ليس من أغربها أن أنطلق في الغناء بصوت عال.
إيه إل فكرني بهذه الحكايات؟ السن والنسيان، آه... من كام أسبوع كدة اكتشفت إن فيه مجموعة من الشباب إل زي الورد من مجلة كلمتنا عاملين قال إيه يا أختي حملة عشان التحرش. ماشي. مش عيب. ربنا يكملهم بعقلهم. إنما إيه بقى يا إخوانا، شعار الحملة المُكن: لسة فيكي يا مصر رجالة و احترم نفسك.
باعتباري زي ما أسلفت فهمي بطيء أصلا، فأنا لم أفهم حتى الآن معنى شعار هذه الحملة الفتاكة: "لسة فيكي يا مصر رجالة"... بتتحرش بالستات؟ ولا "لسة فيكي يا مصر رجالة" فهنتحرش بالستات؟ ولا "لسة فيكي يا مصر رجالة" إذا فاكرين إننا هنبطل نتحرش بالستات؟ ولا "لسة فيكي يا مصر رجالة" فطبيعي نتحرش بالستات؟ بالإضافة إلى إن الشعار محير بدون تكملة لإنه لا يحمل جديدا. آه مصر لسة فيها رجالة، هو حد كان قال إنهم خلصوا؟ آه يا ابني آه، مصر لسة فيها رجالة وستات كمان، مش فاهمة إيه الهدف من إقرار حاجة عارفها أي عيل ماشي في الشارع. وبعدين واحدة من الأخوات الله يكرمها أوضحتلي ما استعصى علي فهمه، بسبب السن زي ما قلنا الذي له أحكام.
هي: "لأ يا أمي إنت مش فاهمة، "لسة فيكي يا مصر رجالة" هيحموا الستات من التحرش".
وبعد أن برقتلها نحوا من عشر دقائق قلتلها: "إنت متأكدة؟"
قالتلي :"آه والله زي ما بأقولك كدة".
المهم... بعد ما فسرتلي الزميلة سالفة الذكر وبرقتلها لم يبدو على دماغي أي فهم يزيد عما كان فيه قبل أن تفسر. فمعروف مثلا إن الرجالة هما إل بيتحرشوا بالستات ومعروف أيضا إن الرجالة في التلفزيون والراديو والجرنان والحمامات و غرف الدردشة وغرف النوم والحمام والصالون بيحملوا الستات مسئولية التحرش بيهم واللطيف كمان إنه على موقع الحملة نفسها الرجالة بيحملوا الستات مسئولية التحرش: طبيعي ما هو لما تحط شعار و"فكر" أهبل أن تتجتذب الهبل . ومعروف أيضا إن الراجل بيهتم بحماية "نسائه" من التحرش باعتبارهن ملكية خاصة وليس لأي اعتبارات تتعلق بانسانية الأخت المتحرش بها. ومعروف كمان، في التاريخ الشعبي: إن إل أقدر أفكه بإيديا، ما أستناش لما أحله بسناني.
وأثناء هذه الحيرة نشرت قصة في صحيفة البديل قبل أسبوعين لا أذكر تاريخها – وياريت ممن لديه التاريخ أن يذكره – عن بنت جميلة ظهرت حكايتها كلطمة على وجه هذه الحملة "العوق" وأصحابها "العوق" - لا مؤاخذه، قلة الأدب هتتبدي من أول هنا. أصل أنا فضلت صابرة وساكتة لحد ما ظهرت حكاية البنت دي، على أساس إن "مصر مافيهاش بنات يدافعوا عن نفسهم ويحطوا صوابعهم العشرة في عينين الرجالة ويقولولهم وقفوا عندكم" والأهم من كدة: "يجيبوهم من قفاهم". فهذه البنت الجميلة تعرضت للتحرش في وضح النهار في شارع من أكبر شوارع مصر الجديدة – الخليفة المأمون – الذي يعج بمواقع للجيش وحرس ومحلات – مليانة رجالة على فكرة – فما كان منها إلا أن أمسكت بالمتحرش ولما حاول الإفلات صعدت فوق كبوت عربيته النصف نقل وأمسكت وتمسكت بالرغم من محاولاته إسقاطها من فوق السيارة حتى أوفقته وخدته من قفاه على القسم الذي رفض "رجالته" الذين لسة في منهم في مصر أن يرسلوا معها عسكري ولا أمين شرطة ياخد بحسها لما أرسلت صديقتها للإبلاغ، فشدت هي الرجل بنفسها من قفاه بالرغم من محاولة الرجالة المحيطين – الذين لسة في منهم في مصر – نهيها ومنعها من شده من قفاه مشيرين إلى "إل هي لابساه هي وصاحبتها" وأخذت الرجل بنفسها للنيابة بعد أن رفض "رجالة القسم إل لسة في... إلخ" أن يقوموا بدورهم في ترحيله.
القصة دي أحلى ضربة على القفا لحملة "العوق" المذكورة. وأنا لو منهم أخجل من نفسي – إنما ده أنا. هم مستمرين في حملتهم الجامدة جدا ودهنوا الأرض في حفلة تامر حسني في مارينا. وقال إيه: "احترم نفسك". أياه: أكيد الرجالة إل بيمسكوا صدر الستات في الشارع اتخضوا قوي، وهيفكروا ألف مرة قبل ما يحطوا إيديهم في هدوم ست مرة تانية، بالرغم من إنهم عارفين إن مصر لسة فيها رجالة هيتعاونوا معاهم . عايزين يا ولاد نعمل حملة ضد جريمة إهدار المال العام نسميها: "احترم نفسك" وده أكيد هيقضي على ظاهرة إهدار المال العام. وبلاش رادار ولا ضباط مرور، نعمل حملة ضد السرعة نسميها: "احترم نفسك" وبالمرة لما حرامي يسرقك في الشارع ما تبلغش عنه البوليس: قول له يحترم نفسه.
خصيمكم النبي، ادخلوا على موقع الحملة وشوفوا نتيجة شعار ترللي وفكر تيكيلم تيكيلم زي "لسة فيكي رجالة يا مصر". نفس الدوائر المفرغة من النقاش حول ملابس الإناث من المتبولين لا إراديا، نفس الكلام عن إن عدم التحرش "منة" و"كرم" من الذكور، نفس التخلف، نفس الهبل، نفس القرف، نفس اليأس، نفس الغثيان وأمراض الذكورة.
ساعات بعد ما تبقى تبلدت من كتر "الهبل" إل بيترمى يمين وشمال تلاقي حاجة بسيطة تقولك "لسة في". لسة في بنات مش مستنية رجالة تحميها، لسة في بنات مش هتبص في الأرض لما الناس في الشارع يتهموها إنها السبب في التحرش، لسة في بنات مش هتحس بالعار وهي بتطالب بحقها من المجتمع والحكومة تالت ومتلت.
وعشان خاطر نهى الجميلة نعلن عن حملة "جيبيهم من قفاهم" في مواجهة حملة العوق بتاعة "لسة فيكي يا مصر رجالة" ودي التكملة المناسبة: "لسة فيكي يا مصر رجالة بتتحرش: جيبيهم من قفاهم". الحملة مش للبنات الهفأ إل باصة في الأرض ومستنية راجل يحميها. الحملة دي مدعوات لها الإناث فقط وتتلخص في أن المتحرش باللمس يتجاب من قفاه. ومن قفاه مش أي حتة تانية. ما تخافيش، إنت مش مضطرة تعملي ده مع كل متحرش كل يوم، إنما بعد ما كام ألف واحدة يجيبوا كام واحد من قفاهم هتغلى ضريبة التحرش، وممكن لو إنت في حفلة مارينا بتاعة تامر حسني وحد اتحرش بيكي تجيبيه من قفاه طبعا وتتفرجي على البنات الهبل بتوع الحملة العوق وهما عمالين يقولوا للمتحرش: "احترم نفسك" فيمسك صدرها، فتقوله: "بأقولك احترم نفسك، مصر لسة فيها رجالة" فيمسك بإيديه الاتنين، "الله؟ إنت مش عارف إن مصر لسة فيها رجالة ولا إيه؟" فيمسك بإيديه ورجليه فتقوله تاني: "احترم نفسك، مصر لسة فيها رجالة". فيرد عليها الرجل: "أيوة يا ستي فيها رجالة... تحبى أجيبهم ولا كفاية أنا؟!"