Monday, August 07, 2006

وليس الذكر كالأنثى – (1)

نولد كلنا ثدييات، قردة عليا، بعضنا يبقى كذلك وبعضنا يستغل النصف في المائة فارق في التكوين الجيني بيننا وبين من نقاربهم من القردة العليا، بعضنا محظوظ أن يجد من يقوده على طريق العقل والروح، وبعضنا يسوء حظة إلى حد أن لا يجد في طريقه إلا من يعلمونه كيف يكون قردا نظيفا مكسيا من القردة العليا.

وفي كل الأحوال ساء حظنا أم حَسُن، تظل الرحلة ممتعة ومضنية، مقلقة وغير قابلة للتفاوض، ما إن نبدأها حتى تستحيل العودة، ويبقى كل قلق فيها، وكل ألم عليها أهين كثيرا من العودة حيث كنا إلى كهوف القردة العليا.

ومن يسعون في تلك الرحلة يبدأون من حيث يقفون، سعيا نحو التحول إلى ما يسمى الإنسان، وليس من مكان أوضح من ذاك تصح فيه عبارة: وليس الذكر كالأنثى

بكل أسف فإن رحلة الإنسان نفسه في التطور من قرد أعلى إلى إنسان صاحبها ذلك التغير المقلق الذي حوله إلى كائن أكثر تأثرا بمجتمعه وبيئته وعائلته، وأصبحت معطياتهما هي أول ما يبدأ به الانسان، إن قرر أن يبدأ أبدأ رحلته نحو الانسانية.

وبينما يبدأ الذكر من موقع، فعلى الأنثى أن تقطع أشواطا إضافية قبل أن تصل إلى نفس ذلك الموقع، عليها أن تطرق كل باب لتثبت لمن وراؤه إنها إنسان وليست "الرجل ذو الرحم" ولا "إنساناً بشرطة" ولا "نصف إنسان". ليست إنساناً ذو "صفات خاصة" تستوجب التنظيم الذي يضطر المجتمع إلى كبح جماحه تحت دعاوى مختلفة.

وعليه، فلا عجب أن تصل المرأة منهكة، لاهثة الأنفاس، من موقع لا يستطيع رجل إلا أن يتخيل صعوبة التحرك منه، من خلف غمامات الخوف ووسومات العار وفؤوس العشيرة.

بينما يعبر الذكر عتبات المراهقة، الفترة العجيبة التي تنمو فيها الروح بشكل مذهل، تنفتح أمامه أبواب الحياة وتطلق له حمائم الحرية بدرجات مختلفة، فينمو في الاتجاه الطبيعي، ولو بدرجات متفاوتة حسب تفتح مجتمعه، ولكن كلها على أي حال اختلاف في الدرجة، تعبر الأنثى نفس العتبات إلى القيود والحط من حريتها لو كان لها البعض منها، مما يذكرني بالأحذية الحديدية التي كانت توضع فيها أقدام الفتيات الصغيرات في بعض مناطق الشرق الأقصى حتى وقت قريب كي لا تنمو بعد سن خمس سنوات، فتبدو الأنثى إلى الأبد طفلة. بينما يصبح نمو جسد الذكر رخصة للمزيد من المسئولية والتفاعل مع المجتمع والاستقلال، يصبح نمو جسد الأنثى ترخيصا لكل من يتنفس في محيط عشر خطوط عرض منها أن يملي عليها ما يجب أن تفعله، بدءً من ما عليها أن تلبسه وانتهاءً بما يجب أن تعتقده أولا تعتقده، ما يصح أن تمتهنه وما لا يجوز أن تمتهنه، ونوع القهقهة التي من حقها أن تطلقها كردة فعل على شيء أضحكها كإنسان له حس من الفكاهة.

أتذكر ذلك المشهد المعبر في فلم "أسرار البنات"، حيث ترقد الفتاة بعد انتهاء القصة كلها على سريرها وتزدحم الغرفة الصغيرة بالأشخاص الذين أملوا عليها حياتها: الأب والأم، المأذون، الطبيب، المعلم، الزملاء، عمها، عاملين يتحرشون بها في الشارع، وغيرهم. يصفعني ذلك المشهد كلما شاهدته.

أرى إن نمونا لنختلف كبشر عن القردة العليا لا يتم مهما توفر التعليم أو الرفاهية أو الحب: فتلك قد تجعلنا قردة مدربة أو قردة سعيدة (وهي من الأشياء التي تجعلنا "قِرَدْة راضية" أيضا وتخلق أيضا "القِرْدْة الراضية"). إلا إن التطور عن القرد الأعلى يحتاج إلى ما هو أهم: اكتشاف العوالم الأرحب، انفتاح الذهن، التخلص من القيود الذاتية وقبول ما يمليه الفرد على نفسه منها فحسب، والسعي الدائم لبلوغ الدرجة الأخرى من الفهم والحكمة. وأرى أيضا إنه في أفضل الأحوال فإن ما يتبقى لنا من مساحة نستطيع العمل عليها بعد مؤثرات التربية والمجتمع والوراثة وصفات الجسد هي مساحة ضئيلة مهما بلغت، يصبح الحفاظ عليها مسألة فيصلية في كياننا. إذ إننا شئنا أم أبينا سنحمل ما بين الوعي واللاوعي مساحات هائلة من المعطيات التي تحتاج إلى معجزات كي نصل إليها مبدئيا ولا أقول نتعامل معها أو نتدارسها ومساحات أخرى من المسلمات ومن المخاوف ومن الضعفات. وفي حال توفر أفضل الظروف الانسانية سندرك "نصف في المائة" من تكويننا ونبقى عاملين عليه حتى الموت على أمل أن نرتقي بهذا النصف في المائة عن أصولنا القابعة فوق الشجر أو تحته.

وفي تلك المساحة الضئيلة تغتصب مساحة أخرى من الأنثى خاصة في أهم مراحل تكونها: المراهقة. أتذكر حوارا كان أُجري في مجلة الإذاعة والتلفزيون قبل أكثر من عشرين عاما مع الممثلة صابرين إبان خطبتها للمغني محمد فؤاد (وفسخت الخطبة بعدها بفترة)، قرأته وأنا طفلة. أتذكر جيدا جملة كانت في هذا الحوار قالتها صابرين: "المرأة يتحدد مصيرها يوم أن تولد بإنها ستكون زوجة وأم". بقيت تلك الكلمات محفورة في ذاكرتي. أي حياة تلك التي يتحدد مصيرنا فيها يوم أن نولد؟ أي قيد يوضع على فرصتنا للنمو والتفتح لو كانت حياتنا "نفق" وليست "فضاء"؟ ما هو الغرض من الحياة على أي حال؟ كلنا سنولد ونموت وينتهي أمرنا، نحن ومن نتزوجهم ومن نلدهم، كل ما فيها هو "الاختبار". أن نحس ونرى ونختبر ونخطئ ونفرح ونشعر بالفارق بين نشوة الفخر ونشوة الانتقام ونشوة الفهم. أي اختبار لكائن "تحدد مصيره يوم أن وُلِد؟". أيكون الرحم المظلم الضيق أرحب من كون فسيح يعجز العلم عن حساب اتساعه؟

-تتبع-

Wednesday, August 02, 2006

ميم "****"-2

لا تستطيع دعوة أحد للخروج من دائرة خوف، تستطيع فقط أن تخرج.

باب عريض وواسع وراءه لا تنادى الأسماء همسًا، ولا تسمى الأعضاء خلسة، ولا يُسمي المرء ابنته "ناهد" ثم لا ينطق كلمة "أثداء" أمامها أبدًا. لا أحد يتحدث بالإشارة أو شفرة مورس، بل ينادى بالأسماء في المجامع وفوق الأسطح.
مرة واحدة، مرة واحدة قبل أن يستولي عليك الرهاب وتموتين ويتعفن الجسد الذي جرت بسببه كل تلك المذابح النفسية. صرخة واحدة ثمنها نوبة هلع تؤدي لسكتة قلبية وموت مستريح وسعيد.
مرة واحدة انظري إليه وسمه باسمه، ليس مهمًا أن يقتنع الـ"هو" الموجود بحياتك، لحظة حرية، عَرِي تلك الروح ودعك من أوهام "الجوهرة المكنونة".

سيري في الوسط وليس على الجانبين كما دعى أستاذ الجامعة طالبته حتى لا "يفتننه"، ولمرة واحدة أزيحي الستار عن كل العورات، فليشهق من يشهق، ستعيشين مرة واحدة، فعيشيها كاملة، فهم في النهاية إلى مواضع راحتهم راحلون وستبقين أنت وجسدك وحدكما، ذلك الجسد الذي حذروكي منه وحذروا أنفسهم منه حتى الثمالة.
انطقي الحروف وانظري بملء عينيكي الاثنتين لتكسري سطوة السحر الأسود إلى الأبد.

((((((((((((

أكان يجب أن تتعرفي إلى نفسك؟ بهذا الشكل المُلِح؟
أما يكفي أن يعرفك الطبيب المتخصص في "مثل تلك الأماكن؟"

قالت لي: "أتتصورين إن طبيبي بينما كان يقوم بتوليدي كان يضع أدواته على بطني ويتعامل معها كمنضدة بين يقف بين ساقيَ المشرعتين؟ تدخل يداه إلى جسدي بدون أي استئذان وكأنه يسلك بالوعة؟"
قلت لها إنني أتصور وأكثر، فأطباء "تلك المناطق الحساسة" ليس لديهم في العادة أي "إحساس"، يغلب عليهم ما تعملوه قبل سنوات الطب، وما تعلموه في المقهى، وفي الدار، وعلى الناصية، رجالاً ونساءًا.

كان يجب أن تعرف، لماذا يفترض أن يحتمل أحدنا صندوقًا مغلقًا أمامه طيلة أيام حياته؟ ألا ينبغي أن نفتح صناديق أجسادنا المغلقة لنرى ما لديها لنا؟ لنسمعها؟ لنراها؟ لنعطها صوتًا أباه عليها الجميع؟ من سيدافع عنـ"ه" لو لم تدافعي أنت؟

لا، لا يكفي أبدًا أن يعرف الطبيب، خاصة وهو لا يعرف شيئاً

"أعضاءنا الحساسة" ليست ملكًا للأطباء ذوي الأدوات البغيضة ولا للأزواج المأزومين جنسيًا ولا لشيوخ "العورات" و"المفاتن"، إنها ملكًا لنا نحن، ابعدوا لافتاتكم عن أراضينا

لماذا إذن بعد أن تنظرين إليه وتتمعنين فيه تحت الأضواء القوية مقارنة تلك الثنيات بالأخرى المثالية بكتاب التشريح لا تأتي الثورة؟ ولا الغضب؟ ولا فورة الغليان؟ ألا يجب أن نرفع أيادينا بعلامة النصر؟
لماذا نتيه بتلك اللحظة فلا يعود للثورة من معنى؟ تلفنا الراحة عوضًا عن الغضب، واللامبالاة عوضًا عن الاهتمام بكل من نصب نفسه نبيًا والهدوء، والشعور بانتهاء الحرب والعودة للديار. عدنا لأجساد تغربنا عنها أجيالاً، وضع فيها كل صاحب رأي علامته إلا نحن، فقط وضعت الأقفال على أفواهنا، وشرائط العيب على جبهاتنا.

(((((((((

أشرب شايًا وأقرأ شعرًا، أحب القواقع والأطفال الأذكياء، أطبخ بازلاءً وجزرًا، أبتاع لونًا جديدة للصيف و أتابع حلقات مسلسل الأيام المعاد، متوسطة الطول والوزن والعمر، أعرف تفاصيل "أعضائي الحساسة" ولونها وملمسها وما تحب وما تكره ولو كرهوا. ليست لديَ أية رغبة أن أكون "درة مصونة"، أود أن أخرج من علبة التفتاة وأرى نور الشمس. العلب للأشياء وأنا انسان.

(((((((((((

قال لي "موضع عفتي" اليوم إنه منزعج ولا يعرف لماذا، فضحكت. كنت بالأمس تتمنى لو سألتك فحسب "ما اسمك" واليوم تشكو من ملل ولا يخرسك أحد. لا عجب إنك تبدو عجوزًا فقد قطعت مشوارًا طويلاً.


ليس على المدينة أن تخاف على أخلاقها، ففتياتها حافظات، لاينظرن ولا ينطقن، لا يغنجن ولا يطلبن، وليس من داعِ بقادر أن يحرك فيهن الفضول أو الكرامة، ألا يقولون إن من فرطت مرة تفرط ألف مرة؟

وها قد قطعنا صفحة وأكثر دون أن ننطق بالكلمات العيب

(((((((((.
post scriptum:
هذه المدونة حرملكية، تقصر حديثها على موضوع الأنثى المحرمة، لذلك اقتصر حديثي في هذا الصدد على جسد المرأة، ولكن ألح عليَ أن أكتب كلمة أؤكد فيها رأيي إن جسد المرأة ليس هو وحده الجدير بالاكتشاف، وحري بالرجل أيضًا أن يجلب مرآته وينظر جسده في ضوء جديد، أكثر تفهمًا،يستمع إليه بعيدًا عن المعطيات المسبقة ومتطلبات الفحولة ومقاييس المجتمع