Wednesday, November 22, 2006

واحجاباه ... واه ... واه (3)


تابع لما سبق

الأمر الآخر الذي أردت أن أعلق عليه بشأن "مولد سيدي حجاب"، وكنت أود الكتابة عنه حتى من قبلها، فقد تابعت – حسبما اتسع الصدر دون أن ينفجر – ما يكتب في الجرائد وما يكتب على المدونات، وتعلقت بأذني نغمة ليست المرة الأولى التي أسمعها فيها، إلا إنها على ما يبدو قد تفشت، وظن أصحابها إنها "منطقية" ردا على من يعتقدون بكون الحجاب ردة ثقافية واجتماعية بل وإنسانية في حق المرأة والرجل على السواء.

فما إن يتحدث أحدهم برأي مخالف بشأن الحجاب حتى تجد من يحدثك عن "الحرية الشخصية" وإنها "الحرية الشخصية" للمرأة وإنه "إشمعنى إل عايزة بتقلع تقلع". وأصبحت ما إن أسمع تلك النغمة حتى أتعجب، ثم أتساءل عن القدرات العقلية لمن يستخدمها.

فحين يرد المعترضون على "فرض" زي معين على المرأة بالدفاع عن "الحرية الشخصية" فهذا وجيه لإنهم يتحدثون عن اعتراضهم على "الفرض" والفرض يتعارض والحرية الشخصية، أو يكون الرد على "تبرير التحرش" بعدم ارتداء زي معين يرضي الأغلبية مغلفا فكرة "من لا ترتدي الحجاب مسئولة عن التحرش بها ولا يجوز أن تطالب بحماية في الشارع" ولا أظن أحدا لا وزير الثقافة ولا غيره تحدث عن "فرض" عدم تغطية الرأس، أو عن إنه يدافع عن التحرش من قبل المثقفين لمرتديات غطاء الرأس في الشاعر وعدم أحقية مرتديات ما يسمى الزي الإسلامي بالحماية لإنهن يدعين لردة ثقافيةََ!! ولا أرى أي منطقية في أن يعتبر تعبيرك عم تراه خطأ ولو كان سلوكا شخصيا، طالما لا تعبر عنه تجاه شخص بعينه تعديا على حريته الشخصية. فمن حقي أن أعبر عن رأيي بإني أعتقد إن الإكثار من مشاهدة التلفاز يصيب بالعته والبله وأمراض الذهان وليس في هذا من تعد على حرية أحد الشخصية أن يشخص نحو الشاشة 24 ساعة في اليوم. هذه واحدة

أما الثانية فهي إن مشاعرا مختلطة تتلمكني حين يتحدث أحدهم عن: "إن إل عايزة تقلع بتقلع" ولا أفهم عم يتحدث. فالمرأة المصرية التي تعتقد "بحريتها الشخصية" وترتدي ما تحب ويتصادف أن ما تحب يخالف رأي من يمشون في الشارع حول اللحم المكشوف تتعرض للتعدي أحيانا على "شخصيتها" نفسها وليس حريتها فحسب. بالنسبة لمن تسير غير مغطاة الرأس فلا تعدم من يصب في أذنيها كلمتين يعبر بهما عن استيائه، ناهيك عن تلك الظاهرة المخيفة: الملصقات. الصق على كل حائط في الترام وكل حائط في الجامعة، وجدران الميكروباص وكل حائط متاح عبارات التهديد والوعيد:

"أيتها المترددة ... ألا تخشين عذاب النار؟"

"الحجاب فريضة كالصلاة"

"حديث الكاسيات العاريات"

"الحجاب يحميكي من الذئاب"

ولا مانع من بعض النعومة أيضا ....

"حجابي طريقي إلى الجنة"

"أختي ... نحب أن نراكي في ثياب العفاف"

"أنا أحب حجابي"

"صوني جمالك بحجابك"

وقطعا، دعوة كل لفكره دليل على سيادة حرية التعبير، وبما إن من يعتقدون إنني عورة يجب إخفاءها يعبرون عن رأيهم بحرية، فقد فكرت أنا أيضا، بما إنني مواطنة لها نفس الحقوق – نظريا على الأقل – أن أضع ملصقاتي الخاصة التي أعبر بها عن رأيي ورأي الجماعة التي لا ترى في الحجاب إلا لعبة سياسية مشفوعة بردة اجتماعية، إليكم بعضا من ملصقاتي:

التهديد والوعيد:

"أيتها المترددة ... أوعي يميلوا دماغك"

"الحجاب مش فريضة ... بطلوا نصب بقى"

"الحجاب فريضة اجتماعية لم تظهر إلا حديثا"

"لو لم يحمك القانون من الذئاب فلن يحميك ألف حجاب"

"عمر الحرة ما تبقى عورة ... عمر العورة ما تبقى حرة" *

ثم بعضا من النعومية الخاصة بي أيضا لأكون أهلا للمنافسة في سوق محتدم:

"مافيش جنة بتتدخل بالهدوم ... ولا حتى جنة الفواكه"

"أختي ... أحب أن أراكي في ثياب مناسبة للطقس"

"إل يقولك إنت عورة ... عوريه"

"صوني رأسك بإعمالها"

"أحب الشمس والهواء واهبي الحياة فوق شعري"

وهكذا، مادام الحديث عن الحريات فليمارس كل منا حريته بكامل طاقته. وعلى كل حين أسمع مرتديات غطاء الرأس يتحدثن عن إنهن "مضطهدات" أحك رأسي في حركة أزلية يعتقد الانسان لسبب ما إنها تساعده على الفهم، بينما اتضح إنك لو حككت رأسك كلما قابلت ما يستعصي على الفهم في مجتمعنا فستنتهي بقرحة في فروة الرأس ولن تفهم شيئا مع ذلك. إخواننا، يعتبرون "التعبير عن الرأي" تعد على حريتهم الشخصية لإنها لا توافق هواهم ولا تتواءم مع ما يفعلون. أفكر في ثورة نصف الشعب المصري الأمي السعيد بأميته لو خرج وزير التعليم ليقول: "الأمية دلالة على التخلف" لتعد سيادته على حريتهم الشخصية وعلى الميول المزاجية لنصف الشعب المصري. أفكر في ثورة الشعب على وزير الصحة لو خرج علينا قائلا: "النزول إلى الترعة سيصيبك بالبلهارسيا"، فمن هذا الذي "لا ينفع وزيرا ولا غيره" ليعتدى على حريتهم وحرية أولادهم الشخصية في "البلبطة" في الترعة كما يحبون، بل وقد يمارس المزيد من تعدياته بمطالبته لوزير الري بتغطية الترع أو تجفيفها. ألا يفهم إن فيصل صحة الرأي وسماحنا لك بالتعبير عنه هو أن يتسق مع مزاجنا العام. أحمق.

وبما إننا فتحنا ذاك الموضوع - لطم الخدود في جنازات الحريات الشخصية فسأورد مثالين قبل أن يوردهم أحد، لإنهما مثالين صارخين على قلب الأمور واستغلال كل المساحات المتاحة تحت مبدأ: الغاية تبرر كل شيء.

أولا: لا تنفك مذيعات التلفزيون المصري المحجبات اللاتي مُنِعن من الظهور على الشاشة في الحديث عن التمييز ضدهن بسبب الحجاب، وأنا وقسما بالقبعات والبناطيل ومشدات الصدر وكل أنواع الملابس أضرب كفا بكف. فمن ذلك الأبله الأحمق الذي يظن إن قنوات التلفزيون التي يخرج فيها الفرد على الناس مجالا "للحرية الشخصية"؟ لو خرج مذيع الأخبار غدا مضفرا شعره سيمنع من الظهور على الشاشة، لو خرجت مذيعة تغطي صدرها بصليب ستمنع من الظهور على الشاشة، لو جرب مذيع أن يقرأ الأخبار بينما يرفع ساقيه على المكتب سيمنع من الظهور على الشاشة، لو قررت مذيعة أن تكشف صدرها ستمنع من الظهور على الشاشة. أليست كلها "حريات شخصية" أيضا؟ أو لنقل مثلا إن مذيعة في قناة "إقرأ" ممارسة لحريتها الشخصية قررت الظهور بدون غطاء رأس هل يا ترى سيسمحون لها؟ ولم لا؟ لإن أماكن العمل ليست أماكنا "للحريات الشخصية" إلا في نطاق ضيق جدا، فكل قناة يفترض إنها تحمل فكرا ما وتنشره ومن حقها أن تفرض المظهر المتماشي مع ذلك، ولا يسري ذلك فقط على التلفزيون، فأنا لا أستطيع أن أعمل في استقبال فندق وأذهب إلى هناك "بالشبشب" مهما كان على أحدث صرعة، ولا أستطيع أن أفعل ذلك حتى لو كانت قدماي تؤلمانني، لإن هناك زي للجميع. لا يستطيع شاب يعمل في استقبال فندق أن يغطي رأسه بطربوش ممارسا لحريته الشخصية. كفاكم قلبا للحقائق.

ثانيا: الموقعة الثانية التي تلطم فيها الخدود ويبكي الكل فيها على الحقوق المهدرة هي موقعة "مصر للطيران" المفترية التي ترفض عمل مضيفات أو قائدات طائرة محجبات. حرية شخصية ... هممم. ماذا لو استيقظت مضيفة صباحا وقررت إن لون الزي الموحد المثير للغثيان الخاص بمصر للطيران يبدو "فظيعا" عليها وقررت أن ترتدي لونا مختلفا ذلك اليوم: لنقل مثلا "ليموني فاقع"، فكما قالت لها صويحباتها فهو يبدو رائعا عليها. حرية شخصية. أو لنقل إن قائد الطائرة قرر إنه يستريح بشكل أفضل في الجلباب – وراحة قائد الطائرة من أمان الطائرة – فقرر أن يذهب لعمله ذلك اليوم مرتديا الجلباب. حرية شخصية. وهو لن يرتدي أي جلباب على أية حال، سيرتدي جلباب صوف معتبر مع قفطانه. أهناك حرية أجمل من ذلك؟ طائرة لا تعرف الطاقم فيها من الركاب. مساواة كاملة. يفترض إن الزي الموحد له هدف، لست أعترض على تغيير الزي الموحد، ولكن حتى يتم ذلك فالالتزام بالزي الموحد أو مواصفات الملبس جزء من العمل لا علاقة له بالحرية الشخصية.

أفكر في ممارسة حريتي الشخصية التي يباهيني بها المدافعين عن غطاء الرأس غدا، وأنوي أن أخرج بكمية محترمة من البشرة المكشوفة، إذ كنت أفكر مع صديق في طرق سريعة للانتحار.

**تنويعة على مقعطع من أغنية سيد درويش "بنت مصر"

"عمر الحرة ما تبقى عرة وعمر العرة ما تبقى حرة"

واحجاباه ... واه ... واه (2)


تابع لما سبق:

ثالثا: أن تضفي على أمر يحدث بشكل يومي، وفي أصله مجرد نشاط انساني سطحي بحت – مثل الملبس – طابعا دينيا أو صبغة دينية هو تمهيد أيضا للأرضية لتقبل إقحام الدين فيما لا يدخل ضمن نطاقه، وهو نفس ما ينطبق على السياسة، إذ إن من أهم مشكلات الإسلام السياسي، أو أي إقحام للدين في السياسة هو الوصول لمنطق ما لتبرير إقحام أمر يفترض إنه روحي غيبي مثل علاقة الانسان والله فيما هو مادي ملموس مثل النظام السياسي. ولتعذر الوصول لتبرير مقنع لا يبق أمامك، خاصة في المجتمعات الأكثر سطحية، أن تعد – للمرة الثانية – مزاجا عاما يتقبل ذلك ويشيد به ولو عجز عن دعم ذلك الاختيار بشكل منطقي، فالمزاج والميل العاطفي أكثر قوة ألف مرة من المنطق.

رابعا: الشعب المصري حسب رأي من أحترمهم من علماء الاجتماع وحسب رأيي الشخصي ديني المزاج، أو لنقل قدري أو غيبي المزاج دون دخول في التفاصيل، بمعنى إن ارتباطه بقوى غير مرئية هام بالنسبة له ولفرد نوع ما من المنطق على حياته إلا إنه لا يهتم كثيرا بالتفصيلات، لذلك، فعليك لو أردت أن تميله دينيا في جهة أن تجعل حجر زاويتك أمرا سطحيا سهل التبرير. "زي" "للمرأة". جمعت بين السطحية والفكر العام السائد بخصوص المرأة وجسدها وأقنعت الناس إنهم بذلك "متدينون" بشكل خاص دون أن تغرقهم في تفاصيل فقهية أو حتى تبرر لهم ما أقنعتهم إنه فرض إلا بكلمتين سطحيتين دون تمحيص، ولإن المصري دينيا لا يحب الدخول في التفاصيل، فقد أصبح سهلا عليك أيضا أن تحدثه بنفس الطريقة عن ضرورة إقحام الدين في السياسة – على أرضية ممهدة – دون الدخول في تفاصيل.

خامسا: بعد تلك الجرعات اليومية من "السطحية" و"تأصيل" النزعة الدينية الشكلية يكسب الإسلام السياسي مساحة واسعة يتحدث فيها بشعارات رنانة تبدو دينية ولا توضح أي تفاصيل. كانت مشكلة الإسلام السياسي دائما هي التساؤل: "ما هو برنامجكم السياسي" فيأتيك الرد: "الإسلام هو الحل" أو ما شابهها من الشعارات المطاطة التي لا تحمل ردا لا على اقتصاد ولا سياسة. وفي بيئة ممهدة يرد الناس: "الله، يا سلام" ولا يسأل أحد الأسئلة الأساسية الفاصلة. وعليه تصل لصناديق الانتخاب دون أن ترد على أي تساؤل مشروع من نوع: "ماذا لديك لتقدمه؟"

سادسا: حقق الحجاب مكسبا إضافيا جانبيا لم يكن محسوبا أرى إن الإخوان المسلمين بالذات تعاملوا معه بمنتهى الذكاء. فقد كانت مشكلة الزي المميز للمرأة في بداية ظهوره هي كونه فقير الهيئة، قبيح غالبا، حيث كانت تصميماته قليلة جدا وألوانه محدودة – لاحظ إن الحجاب ليس مجرد "تغطية الرأس" إنما تغطيتها بشكل معين يعلن عن انتماء صاحبته، فأنا من الممكن أن أرتدي غطاء للرأس مع أكمام طويلة في الشتاء ولا يحقق ذلك الغرض المطلوب – ولما كان فقير الهيئة وكانت النساء المصريات المحبات للألوان والاهتمام بمظهرهن والمعتادات على ذلك خاصة في البيئات الأغنى اقتصاديا على عكس الخليج مثلا الذي هبت منه تلك الأزياء، فقد كانت تلك مشكلة إضافية. ولست أدري من صاحب العقل الشيطاني الذي توصل لفكرة عبقرية، هي إنه مادام الهدف هو "العلامة"، فمن قال إنها لابد أن تكون مطابقة لمواصفات ما يسمي الحجاب الشرعي؟؟ صحيح إن الهدف المعلن هو ألا تلفت المرأة النظر ومن المستحيل أن تدير بصرك عن غطاء رأس أزرق مطعم بالأصفر الفاقع ملفوف بشكل معقد جدا، ولكن هذا غير مهم. فتعال معي لمجلة "حجاب فاشون"، ولأزياء تتنافس في لفت الأنظار، ومذيعات يرتدين ملابسا للدعاية، وبرنامجا تقدمه عارضة أزياء سابقة يخصص فقرات كاملة لـ"لفات الطرح" وممثلات خرجن علينا في مسلسلات يرتدين أغطية للرأس ليست مثالا للأناقة فحسب، إنما مثبتة للأعين عليهن لما فيها من إبداع وتعقيد وإطلاق لصرعات جديدة تتابعها الفتيات مثلما كن يتابعن تصفيفات الشعر. على استحياء تظهر تساؤلات مشروعة حول اتساق ذلك مع الهدف المفترض عمقه في الحجاب لكنها لا تلقى صدى ولا تشجيعا، فليس "العمق" من مصلحة الإسلام السياسي ولا من مصلحته أيضا أن يخسر ما كسبه من مساحة إضافية بجعل الحجاب في نفسه يفي بما يفترض إنه جاء لمنعه وبالتالي لا تتضايق الفتيات خاصة صغيرات السن أو يشعرن إنهن أقل جمالا أو جاذبية. أضف إلى ذلك التحرر من "حتمية" العناية بالشعر وهو أمر لو تعرفون هام بالنسبة للمرأة المصرية، وألاحظ إن أهم تساؤل يرد على ألسنة المحجبات بشأن شعورهن هو تساقطها، وأهم سبب لذلك – بعد أن يسألهن الطبيب ويرددن عليه – هو إنهن يغسلن شعورهن ثم يربطن غطاء الرأس ويخرجن وهو أمر صعب جدا أن تفعله امرأة مصرية دون أن تغطي شعرها: "حرية أن تغسله وتخرج وهو مبتل كما هو"، فهذا حق أصيل للرجال الذين يضعون رؤوسهم صباحا تحت الصنبور ويخرجون.

سابعا: بعد سنوات من الوسوسة في الآذان اكتسبت مسألة الزي المميز للمرأة قصورا ذاتيا فأصبحت تتطور وحدها، فلم يعد مهما أن تكون فتاة متدينة جدا، أو حتى تصلي كي ترتدي الحجاب، بل ولا حتى أن تكون مؤيدة للإسلام السياسي، ولكنها ستدافع بأسلوب محموم عن "الحجاب" و"كون المرأة عورة" وخلافه دفاعا عن نفسها أساسا وهو المكسب الأهم في نظري، إنك جعلت حتى من لن يعطوك أصواتهم في صناديق الانتخابات يعملون كدعاية لك بصبغ ما هو سطحي وما هو عام بصبغة دينية، وأظنها، لو كانت تلك الشطحات الفكرية لها أي قدر من الوجاهة، سابقة سياسية ليس لها مثيل!!

ثامنا: سيتبقى لنا الآن أن نتفرج على "مسخرة" دفاع الحكومة عن نفسها بإنها "متدينة أكثر من الإخوان" وإنها تستحق أن تبقى في الحكم لإنها حكومة مسلمة موحدة - وانظر للأزهر المتحدث باسمها إن كان لديك شك.

- يتبع -

واحجاباه ... واه ... واه (1)

أحيانا ما يحدث أمر مذهل في عبثيته فتخرج عنه ردود أفعال ومواقف مغرقة في الجدية فتتركك لوحدك واقفة في حيرة من أمرك، أهو هزل انقلب إلى جد، أم إن الهزل هو الجد في بيئتنا المشوشة، أم إن لوثة أصابتنا جميعا فصرنا لا نهتم إلا ببيضة الفيل إن كانت بيضاء أم سوداء.*

وإذ أتابع "مولد سيدي حجاب" المعروض حاليا بنجاح ساحق في جميع دور العرض، وما دامت العبثية تمسك بتلابيبنا فقد سمحت لنفسي أن أفكر بحرية بشكل غير مترابط – شكليا على الأقل – دون أن أحاول تربيط الأفكار أو صقلها، وربما، وأقول ربما، أخرج منها بأي شيء يشفي غليلي لتفسير مقنع أو شبه مقنع للعبث. أحيانا تصل لنسق ما في دورة غسالة الملابس لو راقبتها بدقة، سمحت لنفسي أن أسرح بفكري أنا أيضا – أوليس من حقي؟ - فكل يهزل أو يجد، وربما وجدت بعضا من وجاهة فيما دار بخلدي بينما أتابع الشارع المصري من نافذة أتوبيس رقم 54 بشارطة.

أول ما دار بذهني بشأن وزير الثقاف نفسه هو إنني لا أريد له أن يتعرض لأي أذى أو حتى شبه أذى بسبب إعلانه لرأيه إن الحجاب عودة للوراء، فهذا قد يجعله شهيدا للتقدمية، وقد يساهم في تبييض صفحته السوداء، فيبدو الرجل كإنه ضحية السلفيين والمتخلفين، وإنه – يا حرام – هو المدافع عن التقدم ووزير الثقافة الفنان الذي طالته أيدي الرجعية، بينما هو صاحب عهد من أسوأ العهود سواء على مستوى ما تدعيه وزارته من إنها وزارة "ثقافة"، أو على مستوى حرية المثقفين نفسها. كتب تصادر وكتاب ومفكرين يساقون للمحاكم، لم يسلم عهده ممن قُتِل ومن هدد بالقتل ومن فرق عن زوجته، ثم تلوثت يديه بمحرقة بني سويف التي راح فيها بعض من خير نقاد مصر بعد أن تركت وزارته الأماكن التابعة لها والتي لا يؤمها إلا "القلة المثقفة" تتحول لمناطق كوارث. لا نكاد نستفيق من كتاب يصادرونه حتى يلحقنا الآخر. سينما أصبحت نظيفة بعد أن كانت "وَسِخَة" على ما يبدو فصار المرء يكاد يجف حلقه حتى يرى عملا فنيا يمس فيه شيئا، كلية وحيدة للفنون الجميلة تلغي "الموديل العاري" لإنه حرام، وحديث فيها عن أصنام كأننا على وشك أن نقدم القرابين للبعل، فنانون يساقون لنيابات الآداب، انحدار عام فيما يمكن تسميته الثقافة، شرف بالإشراف عليه ذلكم الوزير. قطعا هو جزء من منظومة سياسية كاملة طبقت على أنفاس هذا الشعب حتى اختنق، إلا إن أحدا سواه لم يشرف بكونه "وزير ثقافة هذا العهد الميمون". أخاف أخاف أن يُبَيْض شيئا من صفحته وهي ملوثة بذنب طابور طويل من المثقفين وثقافتهم.

الأمر الآخر الذي دار بذهني هو نفسه ما فكرت فيه وقت أزمة الكاريكاتور الهزلية أيضا، وهو إن الرجل لو كان خرج ليقول: "مافيش حاجة إسمها ربنا" لكان تصريحه مر بزوبعة أقل حدة بكثير مما يحدث الآن، فقد حدث فجأة في السنوات الأخيرة أن صار ما يسمى الحجاب هو ما نعبد – تذكرت الأصنام حالا – وأي مساس به ولو من باب إبداء الرأي يقابل بالدفاع المحموم والذود عن محور التدين حاليا والنعيق والتهديد والمطالبة بأرؤس قد أينعت وحان وقت قطافها و"جهاد" ترفع الأعلام في ساحة المعركة ما إن تثبط الهمم صارخة: "واحجاباااااه ... واحجاباااااااااه" بعد أن يقوم أحد متخصصي تعديل الصور رقميا بتطويع شعر"جهاد" المتطاير في الفلم ويخرج علينا سلامة قائلا: "جهاد ده مش إسم وبس". وقد ساقتني تلك الفكرة لأفكار أخرى، أعتقد إن معظمها أفكار "معادة التدوير". واضعة نفسي مكان تيار الإسلام السياسي، وجدت إن الزي المميز للمرأة المسلمة هو أهم وأحق وأوجب ما يجب الدفاع عنه حاليا، بللنقل إن الدفاع عنه فحسب كفيل بتثبيت أقدامنا وإحراز مكاسب ومساحات لا تقدر عليها أي ظاهرة أخرى بمفردها إطلاقا: أنظر بتأني لمكاسب الإسلام السياسي في مسألة الزي المميز للمرأة المسلمة فأجد ما يلي:

أولا: غطاء الرأس هو "أوسع" علامة للمد الديني الداعم للإسلام السياسي، فبينما في مجتمعات أخرى يعبر الناس عن انتمائهم أو تعاطفهم مع توجه سياسي معين بوضع لون أو شعار، فقد أصبح غطاء الرأس علامة رضوخ للمد الديني لا يستطيع أحد منعها، فبينما تستطيع الدولة التحرش بذوي الجلباب واللحية وربما النقاب، فهي لا تستطيع أن تتحرش بغطاء الرأس لأسباب كثيرة سأورد بعضا مما أظنه بشأنها لاحقا. وبينما حاول مثلا أعضاء كفاية وضع ملصقاتهم على حقائبهم أو بيوتهم فتعرض الأمن لهم، فـ"علامة" مثل غطاء الرأس تعتبر قد حققت مكاسب لا تحصى قائلة: "أنا الإسلام السياسي، وأنا هنا وسأطلعك على حجمي كل يوم على رؤوس نساء مصر" ولا يتطلب ذلك أن تكون مرتدية الحجاب نفسها متعاطفة مع الإسلام السياسي!! وغطاء الرأس كعلامة أمر ذكي جدا، فالمزاج المصري متآلف مع تغطية المرأة لشعرها بالرغم من انحسار ذلك من الستينات وحتى السبعينات حين كان كشف المرأة لرأسها دليل على الصعود الاجتماعي والثقافي، وصارت تغطية الرأس في المدينة أمرا مستغربا. ووقتها بالطبع كما يعرف معظم الناس كان حتى "دعاة الإسلام السياسي" لا يدعون لزي معين للمرأة، وكانت نساؤهم تسرن مثلما تسير باقي النساء – فلا قطب ولا البنا كانت نساؤهم ترتدين حجابا. بالإضافة لتقبل المزاج المصري لفكرة تغطية المرأة لشعرها، فوضع علامة على المرأة وليس على الرجل يجعل التعامل معه أصعب، فملابس النساء غالبا في نطاق الخصوصية، أن تطالب امرأة أن تغطي جزء من جسدها أسهل بكثير من أن تتتحدث عن كشفه مجرد الحديث. فمن حيث العدد يراهن الإسلام السياسي بعلامة مميزة يمكن أن يحملها خمسين بالمئة من الناس – بغض النظر عن أصحاب الديانات الأخرى وسأتطرق لذلك لاحقا – بأقل مشكلات ممكنة مع النظام، تلوح بها: "أنا هنا" ويصعب جدا مهاجمتها. فالجلباب واللحية لهم معوقاتهم الخاصة: يصعب جدا أن يذهب أصحاب أعمال كثيرة إلى أعمالهم بهذا الشكل، بينما لا يحمل غطاء الرأس هذه المشكلة في معظم أماكن العمل التي لا تتطلب زيا خاصا، كما إن المزاج المصري لا يتقبل كثيرا رجل بجلباب أبيض قصير خارج منزله، ويقصر تقبله على أصحاب مهن معينة وسكان مناطق معينة مثل الصعيد، وحتى في تلك الحالة فالجلباب الذي يرتديه أولئك له مواصفات مختلفة تماما عن جلباب الإسلام السياسي.

ثانيا: يحقق غطاء الرأس مكسبا آخر في غاية الأهمية من وجهة نظري للإسلام السياسي، فأنت في دولة تود أن ترسي فيها حكما دينيا، وتقابلك فيها مشكلة وجود ديانات أخرى أهمها عدديا المسيحية، فتأتي لك على الرحب علامة يمكنك أن تغطي بها الشارع وتميز بها المسلمة عن غير المسلمة، وبالتالي أنت تتحدث أيضا عن خمسين بالمئة فعليا من عدد الشعب، فتحقق الانقسام المطلوب، أن يصير هناك بوضوح في الشارع: "مسلمون وغير مسلمين"، وتأجج ذلك الشعور مع ما يصحبه من شعور بالتميز والقوة العددية والتوكيد على اختلاف ما يسمى عنصري الأمة (مع الأخذ في الاعتبار إنه لا خلاف حقيقي بين عنصري الأمة حول فكرهم عن جسد المرأة، كلها خلافات لفظية ليس إلا، وبالتالي فقد أرسى الإسلام السياسي فكرة وجود اختلاف في أمر من الأمور النادرة التي لا اختلاف فيها!!!) وكل هذا يعد الأرضية للمزاج العام لتقبل حكم إسلامي في دولة يقطنها ملايين المسيحيين مثلا بخلاف باقي الديانات، في أقليات معظمها أقليات أصلية وليست وافدة – أي بخلاف الأقليات المسلمة في الدول الأوروبية مثلا التي وفدت في العقود الأخيرة فحسب.

*التشبيه من كتاب "جنة العبيط" لد.زكي نجيب محمود، مقال "بيضة الفيل"

- يتبع -

Tuesday, November 14, 2006


وعقبال اللاب توب في جائزة أفضل مدونة
تنويعة على نغمة شاردة

قلت له
: ألا تلاحظ إن ما يضيع دائما ما يكون ما نحبه كثيرا؟
فرد: ألا يحتمل إننا نلاحظ ضياعه لإننا نحبه كثيرا؟

Wednesday, November 08, 2006

في رثاء آخر بقعة ناعمة

ضقت ذرعا بتلك الخشونة التي تغطي جسمي. صرت كلما وضعت يدا على يد جرحت كل يد الأخرى. أشعر إن جسمي مصنوع من الليف، كعرائس القش، كلما مسسته وخزك القش. أمسك صدري بقوة وأصغطه فأحس الجفاف وقسوة حشو الليف. أطلب من طبيب الأمراض الجلدية أن يصف لي علاجات منعمة للبشرة، فتنفرج أساريره لحمى التجميل السارية بين الناس والتي وسعت رزقه دون أن تزيد من جهده. في الصيدلية أشتري المرطبات وأضع فيها جسدي كله، أفركها بقوة حتى يمتصها الجلد إلى آخر الحشى، فتجف ولا يبقى إلا الليف الخشن. أشتري أخرى وأخرى، أخلطها ببعضها وأحاول مرة أخرى، أدلك ثدييَ بالمرطبات حتى ينجرحان فلا يخرج دم، إنما تبرز حواف القش! أخفي جسمي كله وأخشى أن يمسني أحد فيكتشف إن جلدي كله خشن جدا وإن جسمي مليء بالليف والقش. أحاول أن أتذكر ما حدث فحولني لتلك الكائنة القشية فلا أذكر، أحاول بكل قوة أن أتذكر كيف كان شعور الجلد الناعم فلا أذكر.. ماذا سأفعل الآن؟ فحتى لو عاد إحساس بشرتي ناعما فلن أعرف، لقد نسيت! أتفرج على قنوات الإعلان التي يتحدث فيها الناس عن منتوجات تنعم الجلد، لأسمع النساء يصفن الجلد الناعم علني أتذكر أو أتعلم من جديد!

أبحث في الكتب القديمة وفي وصفات الجدات، أخلط زيوتا من المطبخ وأعشابا ونباتات. يوصون بتدفئة الجسم ثم وضعها ثم تدفئته ثانية لنعومة الأميرات. أجزم إنني سأنتصر هذه المرة، ألف جسمي كله وأنتظر. أغسله تحت الماء بعدها فأجد القش في مكانه، وقد صار زلقا بفعل الدهون. تتبقع الثياب ولا يلين القش.

أغطي جسمي أكثر ولا أصافح أحدا يدا بيد. أغطي كفي طوال الليل في قفاز مغطى بالمرطبات فأحصل على قش ناعم بعض الشيء في الصباح يسمح لي أن أخفي عن الناس حقيقتي الخشنة بهذا الجزء الصغير الظاهر. أنقل جهدي الآن لتنعيم القش وأنسى قصة البشرة الأصلية. أضغط ثديي بشدة كي أعيد القش من مكان جاء وأصرخ فيهما كيف سولت لهما نفسيهما خيانتي والتحول لذلك التكوين المرعب وتلك القسوة الشنيعة. ليس في الكتب علاج لثديين من القش. يزول خوفي من أن يتحرش بي أحد في الشارع معتصرا ثديي، فسيعاقبه القش!

في نوبات الغضب بعد ساعات من المحاولات والتدفئة والتغطية أرمي قوارير المرطبات والزيوت في كل مكان، ألقيها على زجاج النافذة انتقاما فتحدث شقوقا صغيرة، تصير أرضية الغرفة ناعمة لزجة ولا أنزلق عليها أنا بقدمي الخشنتين.

أسأل الناس عن طرق لتنعيم القش فيتعجبون السؤال، لماذا يريد أي أحد أن ينعم قشا؟ أنظر إلي واحدة من الفتيات الناعمات وأرغب في لمسها لعلني أتذكر الإحساس الأول، فلو تذكرته ربما عرفت كيف أصل إليه مرة أخرى. أحس إنني لو مسست بشرة إنسان ناعمة سيغمرني الإحساس ... وأموت. أصبحت أخشى أن أنام على ذراع صديقة ناعمة الجلد فيكون هلاكي. أتجنب مس أصحاب البشرة الملساء. تسند إحداهن رأسها على صدري وتنام، فأتعجب كيف تحتمل الخشونة ووخز الليف والقش، أقدر لها محبتها لي أن تحتمل ولا تشكو، في المقابل لا أشكو أنا أيضا من ضغطها على صدري الذي يرسل قسوة الوخز إلى أحشائي. أسكت وأتركها تنام.

كانت بقعة واحدة في أعماق جسدي قد بقيت ناعمة، كنت كلما يئست أعود إليها. أملس باصبعي ذلك السنتيمتر المربع لأشعر بما كانت عليه الدنيا قبل أن يهاجمها الليف. حجمه أصغر من إصبعي، فحتى حين أضع أصغر إصبع عليه أشعر بكل الخشنوة التي تحيطه. أنفرد بنفسي ليال وساعات كي أمرر إصبعي فوق تلك البقعة. أغمض عيني وأتخيل تلك الرقعة الناعمة تتمدد لتغطي ذراعي، وتغطي وجهي وتغطي صدري وساقاي، لا أفتح عيني قبل أن أشبع من الخيال. أواجه الدنيا بتلك الساعات التي أنفرد فيها بنفسي وأفرد السنتيمتر المربع من الجلد الناعم على كل الجلد الخشن. قبل أيام كشفت جسمي كي أمس تلك البقعة الباقية فلم أجدها، وجدتها قد تجانست مع بيئتها المحيطة. أحكها بجنون لعل الرقعة الناعمة تبرز من تحتها، فلا أجد شيئا، كانت البقعة الوحيدة الباقية التي تنز دما لو انجرحت. صارت هي الأخرى لا تبرز جروحها إلا حواف القش! يغمرني شعور جدة مات كل أبنائها ولم يبق لها من ذكراهم إلا حفيد واحد، تغطيه وترعاه، صحت ذات يوم لتجده هو الاخر إلى جانبها وقد مات!

تمر سنواتي المغطاة بالقش الذي أخفيه عن الناس. يصطدم بي بالصدفة في سوق مزدحم. تمر يده على ذراعي بسرعة فيبتسم ابتسامة بريئة وتقول عينيه بشقاوة: "بشرتك ناعمة جدا" ... فأبكي! يعتذر مني "أوجعتك؟" ظانا إن خشونة يديه الذكورية جرحت بشرتي الأنثوية الناعمة ويمضي دون أن يخمن لماذا بكيت!

إلهام
في جلسة خاصة علق على هذه المدونة قائلا: "إنك تكتبين كثيرا هذه الأيام"
وفي نوبة صراحة رددت عليه: "كلما سعيت إليك أن تأتي فعصيت ... أكتب!"

Saturday, November 04, 2006


"كثيرا ما تخرج لي هذه المدونة لسانها بسخرية لما أعيد قراءة ما كُتب فيها، تسخر مما كتبت لإنها تعرف بالتمام ما لم أجرؤ أن أكتب ..."

Tuesday, October 31, 2006

عظمة على عظمة يا دكتور عبد العظيم



"يخالجني إحساس بإن المسلمين في مصر وفي كثير من بلاد العالم اتفقوا على إن الإسلام هو الحجاب"

دكتور عبد العظيم رمضان في الجمهورية
والنقل تم عن جريدة المصري اليوم *

أعد يا رجل ...فنبرات كهذه هي التي تنظف الآذان من الَوْسَخِ


*العدد المؤرخ 31 أكتوبر 2006

Monday, October 30, 2006


شيء من الخوف

مبكرا جدا تتعلم الأنثى الخوف. الخوف ينمو في البيئات المهيئة، وأن تكون الحياة خارجة عن سيطرة صاحبتها، أن يكون الجسد خارج عن سيطرة صاحبه، أن يكون الربط بين الأسباب والنتائج غير وارد، أن يكون ما تفعله ليس هو محدد ما تحصل عليه فاستعد لعدم الأمان النابع من فقدان السيطرة على النفس والبيئة بدرجة تسمح بالتحرر من قيود الخوف، والعيش شاعرا بالأمان. هذا هو بالأساس مصدر شعور "الخوف العائم" (floating anxiety) والذي يتكون من الكثير من المخاوف المتجمعة لا وعيا (والمرأة عموما أكثر إصابة بكل الأمراض النفسية بخلاف الأمراض العقلية التي يتساوى في معظمها الجنسين). فالمرأة تولد امرأة مثلها مثل الذكر جنسها خارج عن إرادتها، فتجد نفسها لأسباب لا يقبلها عقل الأطفال تتعرض لتمييز لا تفهمه، مع إنها – وغالبا في البيئات الأوسع تمييزا – تكون الأكثر عملا وفائدة في البيت أو خارجه.

كنت أفكر قبل وقت في أسباب كون النساء هن الأكثر إيمانا بالغيبيات وممارسة لنشاطاتها، وبعد فترة وجدت إن الغيبيات متسقة تماما مع نسق سير حياة المرأة: أمور خارجة عن الإرادة والسيطرة الشخصية هي المتحكمة في الخيارات والحياة وما تتلقاه المرأة من خير أو شر، الاضطرار لفعل ما هو غير مهم ولا ممتع لها إرضاء لرغبات المسيطرين على الحياة، والذين يصعب فهم مزاجهم، وتعلق الكثير مما تحصل عليه المرأة بذلك المزاج نفسه (ما تطلبيش منه إنك تخرجي وهو راجع من الشغل ومزاجه مش رايق).

تذكرت مسألة الخوف هذا الأسبوع بمناسبة الأحداث التي جرت، وإليكم إطلالة مشفوعة بما أظنه عن خوف المرأة. هناك مخاوف كبيرة حقيقية في حياة المرأة، إلا إنني أشعر إن ما يستنزف الحياة والطاقة هو ذلك الخوف الصغير اليومي من كل الأشياء الصغيرة، حتى لو اختفت المخاوف الكبرى في اللاوعي.

تعال لي يا قطة

بالرغم من إن ما فعله ربما كان أقل أهمية من غيره من الأحداث إلا إنني اخترت أن أبدأ به ربما لإنه خفيف الظل. فالرجل الذي ركب الطيارة 22 ساعة بعمته وقفطانه غالبا إلى النصف الآخر من الكرة الأرضية وجد تشبيه "لحم" المرأة المكشوف "بلحم" البهائم المكشوف الذي قد تنهشه القطط، وبالتالي "فاللحم" المكشوف يستحق ما يحدث له تشبيها وجيها، فمن منا لا يعرف القطط وشقاوتها . وعموما في عالم البهائم الذي نعيش فيه التشبيه طبعا وارد.

ولكن بعد فترة من التفكير وجدت التشبيه غير "متشابه". فالأمهات والجدات كن لو تجرأت قطة وأكلت من اللحم المكشوف يجرين وراءه "بالشبشب" أو المنفضة أو يد المقشة أو ما تيسر من أدوات مناسبة لينال علقة ساخنة تجعله يفكر ألف مرة قبل حتى أن يبدأ الشمشمة، والتي ما إن يفعلها حتى يتلفت حوله منتظرا حذاءا طائرا مصوبا بينه وبين الطبق من صاحب البيت الذي دفع ثمن اللحم ولا ينوي أن يتنازل عنه – على الأقل ليس القطع الجيدة، حتى إن من يربون القطط يفخرون بإن قططهم لا تمد أنوفها ولا أفواهها إلي أي شيء إلا لو قدم لها لإنها قطط "متربية". وفي الأسواق، لو اقترب قط من لحم لدى الجزار سيلحقه شيء شبيه، ركلا أو ضربا، كل حسب درجة اقتناعه بفضيلة الرفق بالحيوان. ذكرني ذلك التشبيه بالممثلة المتحجبة الخالعة المتحجبة الخالعة حتى إشعار آخر ميرنا المهندس والتي ظهرت مرة في برنامج تتدافع عن الحجاب قائلة: "ده حتى الجزار بيغطي الدبايح بقماشة بيضا"

وانتقالا من عالم الدبايح والبهائم إلى عالم بني آدم أسأل عن المرأة التي تسمع مثل ذلك الكلام فيتحرك فيها "الخوف" من "النهش". لا يسعى أحد أن يحرك فيها الرغبة في "تربية القطط" إنما "الخوف"، مشفوعا بما معناه: "تستأهلي، لذلك لن نفعل لك شيئا وليس لك حتى الشكوى"

عيد ووعيد

كلنا عرفنا أحداث التحرش الجنسي الجماعي ليوم العيد، حيث أفطر المصريون على البانجو وانتهاك النساء لساعات بدون أي تدخل من النظام. رسالة واضحة أخرى أن "خفن"، ما من نظام يحميكن من أن تعتبرن "لحما تنهشه القطط". قبلها بأسبوعين أو أكثر قليلا كتب شباب هذه المدونة تدوينة "وعيد" للفتيات إل مش محترمين – من وجهة نظرهم طبعا – بإن الشباب الهايج – إل مش هما قطعا - سيتحرشون بهن وإن الفتيات مسؤولات عما يحدث لهن. الألطف إنه على صندوق الحوار على الجانب يقول أحد أصحاب المدونة إن ما حدث في وسط البلد طلع كدب! وأصدقاؤه المدونون كذبوه! إذ يبدو إنه "إتزنق" في تعليق قطر الندى التي تسأله عن الأحداث التي تعرضت لها فتيات مغطية رؤوسهن ومتعبئات – أي مرتديات عباءات – فقرر أن يكمل الغيبوبة التي هو فيها بإن هذا لم يحدث.

المطلوب: أن تخافي فتسألي نفسك عشر مرات على الأقل أمام المرآة: يا ترى هل ممكن أتسبب في إثارة شاب ما حيث إن التحرش مجانا وعلى مسؤوليتي؟

على الباغي دارت الدوائر

الكوميديا السوداء في المعركة "العجيبة" الدائرة حاليا بين المطالبين بالوجه والكفين والمطالبين بالعينين فحسب – ويستحسن بدون عينين – تحت ما يسمى النقاب إن أسلحة الحرب هي نفسها التي استخدمها المطالبين بالوجه والكفين مع العقلاء الذين حاولوا أن يفهموهم إن مسألة "الوجه والكفين" ليس لها سند حقيقي لا في القرآن ولا السنة – وهذا حديث آخر – فإذا بأسلحتهم ترتد إليهم، فيفند المطالبين بالنقاب الآيات موضحين إن لا شيء فيها يدعم مسألة "الوجه والكفين" – ولهم الحق، وطبعا أي طفل في الأزهر يعرف إن حديث أسماء – أو "حديثي" أسماء للدقة ضعيفين – بل وإن اختلافهما يسقط حجية كليهما، ثم يتمسك أصحاب النقاب بالحديث الآخر الضعيف: "المرأة عورة" ولم يستثني منها شيء" فتظهر المعركة على ما هي عليه أصلا: هزلا في هزل اعتمادا على جهل الجمهور وثقافة السمع والطاعة.

إنني أورد هذه القصة لإنه بينما دارت المناوشات والضرب تحت الحزام على الفضائيات اتصلت فتاة بالهاتف قائلة ما معناه: "الأفضل أن تلتزم المرأة الحيطة لو كان هناك خلاف، فلماذا تخاطر بعقوبة السافرة الرهيبة؟" الخوف

حسنا، هذا بعض ما حدث في حياة النساء خلال الشهر الماضي – الذي كان بالصدفة الشهر الفضيل – تحرش جماعي وتهديد على الفضاء السيبيري وتحميل لمسؤولية الإغتصاب من قبل رجل دين ومعركة حول نافذة النظر – الوجه، مركز الحواس – الذي تقابل به المرأة العالم.

إلا إن ما دفعني لكتابة التدوينة كان قبل ذلك بكثير. فالنساء يعشن في الخوف مقيدات به أكثر بكثير مما سيضرهن الحدث نفسه. أتخيل حجم الحرية الذي تخسره المرأة بهاجس "الخوف من الاغتصاب" وهو محرك أساسي لنظام تحركات النساء، أكثر بكثير مما ستخسره من الاغتصاب نفسه!

كنت قبل سنوات كثيرة قد قررت ألا أخاف الاغتصاب، وألا أنتقص من حريتي شيئا جراء الاحتراز منه. أخرج في كل الأوقات وأمارس حياتي بشكل طبيعي ولا أفكر فيما يقوله الأهل: "أحسن حد يعمل فيكي حاجة". ربما لا يتم التعبير عن هذه الفكرة كثيرا، إلا إن الخوف من الاغتصاب واحد من المخاوف الأساسية .. قارنيها بفكرة "أعز ما تملك المرأة" وستتضح الفكرة أكثر. أفكر إننا كلنا نعرف خطورة الموت خلف عجلة القيادة أو في حادثة سيارة: أكثر بكثير نسبة من خطورة التعرض للاغتصاب، إلا إن أحدا منا لا يقبع في المنزل محافظا على حياته ولو طالبك أحد بذلك ستتهمه بالجنون، إلا إننا نجده أمرا طبيعيا أن نطالب المرأة بالعودة الساعة كذا وعدم ارتداء كذا وعدم التواجد في المكان كذا – أي تقليص حرية حركتها – خوفا من التحرش والاغتصاب. الخوف يستهلك أكثر كثيرا من الاغتصاب نفسه.

تتعلم الفتاة الصغيرة أن تخاف من جسدها أكثر بكثير من الذكر: تخاف طوال الوقت على غشاء البكارة في الحياة العادية. يا إلهي كم مرة سئلت إن كانت الدراجات تمزق الغشاء المقدس! كم من مرة قرأت التساؤلات في الصفحات الطبية عن الجمباز والسقوط وما شابه.

أتذكر أمي وأنا طفلة تخبرني إنني لو جرحت بين ساقي سأموت، لإن الفتاة التي تجرح بين ساقيها تموت. بالنسبة لطفلة في السادسة يبدو الموت فكرة غريبة بالنسبة لأي جرح عموما. ما رسم سخرية على وجهي الآن هو تلك الحقيقة المضحكة: الذكر هو الذي لو جرح بين ساقيه قد يموت، فالخصية من المناطق التي يتصل رد فعل الإصابة فيها بالقلب فتؤدي لتوقفه والوفاة. لا أظنها حذرت أحدا من إخوتي الذكور من ذلك.

من المواقف التي تؤلمني جدا هو رؤية التوتر الذي يبدأ في الظهور على وجه فتاة تعدت سن الرشد بسنوات كثيرة بينما يقترب ميعاد حظر التجول وهي ما تزال خارج المنزل. لا يهم ما تفعله في ذلك الحين. يبدأ التوتر والقلق والاستعداد للمعركة والاعتذار وترتيب القصة لتوضيح وجاهة السبب الذي جعل فتاة مثلها في الثامنة والعشرين تتأخر حتى العاشرة والنصف. أحس إنني يوم أرى هذه التوتر مرة أخرى على وجه واحدة من صديقاتي سأنهار. للأسف أنا أراه كثيرا. أصبحت أخشاه أكثر مما يخشينه هن. يا للهول! لقد صرت أخاف من خوفهن!

أذكر إنني كنت أقل خوفا بكثير قبل سنوات، وإن خوفي زاد في السنوات الأخيرة لسبب مجهول، ربما يكون العمر. ربما الضجر من معركة متكررة وحرب يومية. لا أريد أن أعود وحدي ليلا متعرضة لحماقات المارة والمتسكعين. أذكر مرة قبل سنوات صمم أحد أصدقائي أن يصحبني حتى البيت فصممت ألا يفعل. هو اعتبرها واجبا لإننا كنا بعد منتصف الليل، وأنا اعتبرتها رقة تكلفني كثيرا. حكيت له مشهدا من فيلم "جي آي جاين" حيث تشكو الضابطة التي تحاول شق طريقها في فرقة للذكور فقط من معاملة رئيس الوحدة لها بطريقة خاصة فيرد: "أنا أحاول أن أكون متمدن فتشكين؟" فردت عليه: "إنه تمدن لا طاقة لي بثمنه". إننا ندفع ثمن الحراسة والحماية من حرياتنا. أقاوم بشدة انتقاص حريتي التي تمسكت بها والتي صممت أن أحدا من السفهاء لن يسلبني إياها خوفا، إلا إنني ضجرت، تعبت من الجهاد اليومي، تعبت من رسم عبوس قاسي على وجهي درءا للتحرش أو السخافة، تعبت من سائقي التاكسي بعد منتصف الليل، تعبت من البذاءات التي أسمعها رغما عني، تعبت من التحفز. تعبت. لا يطاوعني قلبي الآن أن أتنازل عن جزء من مساحة حركتي ملاطفة لخوفي. قبل شهور حول منتصف الليل مررت بجوار عسكري حراسة فقال لي بصوت واضح: "مساء الخير". لم أفكر حتى في الرد عليه، لم أغير العبوس المخيف من على وجهي. إلى هذا الحد يبلغ الحذر، ألا ترد على عسكري مجند لا يستطيع التحرك من موقعه تحية المساء. أخذت أفكر باقي الطريق في ما فُعِل بي وما فعلته بنفسي حتى توجست من الرد في ظرف يكاد يخلو من الخطورة. سامحني "مساء النور". الخوف مذلة.

تتعلم المرأة أيضا أن تخاف من الله جدا. فهناك لائحة طويلة من العقوبات على ما لا يد لها به. تجلدها في الجوامع والكنائس الأصوات الغليظة المهددة. لو نامت وزوجها غير راض عنها تلعنها الملائكة حتى الصباح. يا للقسوة. التي تتسبب في "إعثار" الرجال "ويل لها" طبقا للنسخة المسيحية. إذا اشتم الرجال عطرها فهي "زانية": الصفة التي تخشاها أكثر من أي شيء. إذا قررت أن تتزوج فهي تقرر أن تضح أمرها "شرعا" في يد آخر، يتحكم فيه وفي أولادها ويكتفي أصحاب المنابر بمطالبة الرجال "بالرفق"، وهي بالمناسبة وصية متكررة في المسيحية والإسلام. تتأقلم النساء بسرعة جدا على إن الله غير عادل، ويبدأن في تلمس الأعذار المحفوظة له بدلا من الثورة على من التفت أيديهم القابضة على الأعناق.

ويتخذ الخوف والتوتر شكلا جديدا لو اتخذت المرأة القرار الكبير بالاستقلال بحياتها بدون زوج. يصبح عليها أن تقدم أعذارا لو أرادت استئجار شقة، وأن تحتاط من الجيران والبواب وصاحب العمارة، إذ إنها فتاة مريبة حتى يثبت العكس الذي لا يثبت غالبا. وفي أي إشكال لن يقف معها لا جيران ولا شرطة ولا غيره، ويمكنها أن تعتبر نفسها لوحدها بالكامل، عليها أن تحافظ على سلامتها وسلامها بطريقتها الخاصة حسب الظروف، وألا تنتظر أي حماية كمواطن عادي.

مؤكد إن الخوف "رجلا" و"امرأة"، إلا إنني عاجزة أن قتله!

Monday, October 23, 2006

إحنا في البوبز وما نعرفش!

ضغطت على هذا الرابط لأختار ما بين جار القمر وما بدالي ففوجئت حالا إن مدونتي في العشر مدونات المرشحة للبوبز - مضافة من ما يقرب من شهر
مش قادرة أقول إني مش مدهوشة جدا
معلوماتي عن المسابقة ضعيفة
معقولة كدة؟ كان ممكن تعدي كل حاجة وما أعرفش حتى إن المدونة مترشحة؟
حتى عشان أفرح شوية؟
طب مش حد يقول لي؟ يصفر ... أي حاجة
ما علينا .. أول ما أتعلم أتعامل مع الإتش تي إم إل هأكتب علي المدونة
"رشحت ضمن أفضل عشر مدونات في مسابقة الدويتش فللا ... وما كسبتش!"
شاكرين من أكرمونا بالترشيح
عودة بقى لنفس المشكلة: جارالقمر ولا ما بدالي؟

مُبَََادرَةُ اسِتلطاف


شوفي يا حبيبتي..!!

القضيب شكله مقرف جداً جداً..


و صدقيني أغلب النساء تتظاهرن أن شكله مقبول..

لازم نتكلم بصراحة يا ناس.. المشكلة في جسم الرجال هو ده الشيء..

لو كان مش موجود.. أحسن!


أستغفر الله اللهم لا شماتة

تمر المرأة بأحاسيس مختلفة بشأن القضيب، مركبة جدا كما أراها نتيجة تعقد العلاقات الانسانية الطبيعية ومرورها بصفايات المجتمع وأبوابه وشبابيكه. فمثلا النساء، خاصة غير صاحبات العلاقات الجنسية يجفلن ويصرخن ويصدرن مجموعة من الانفاعالات الغريبة لدى رؤية قضيب بالصدفة أو بالقصد في حالة اعتقاد شخص ما إن قضيبه حالة عامة لابد من عرضها في الشارع. فالقضيب على عكس أجساد النساء عضو محاط بالسرية والغموض، أقصد شكلا طبعا وليس موضوعا. فالمراهق مثلا أول ما يكتشف إن بنت الجيران تصيبه بأحاسيس مريبة يجد نفسه تحت وابل من الصور من جميع الاتجاهات تصور كل شاردة وواردة في جسد المرأة، ويختار هو بعدها ما يحبه أكثر، المرأة المادة صدرها أم المادة مؤخرتها، أم الندرة التي تفتح ساقيها حيث المنطقة غير المثيرة بصريا. بالنسبة للقضيب الموضوع مختلف، فبالرغم من كونه العضو في جسد الرجل الذي نال الشرف الكبير أن يكون عورة، فالنساء لا يتبادلن صوره، ومشاهدته بين المراهقات لا ترتبط لا بإثارة ولا بغيرة – غالبا – ليس أكثر من الفضول، بمعنى: "طالما رأيت واحدا فقد رأيتهم كلهم". بعدها أيضا، بعد التعرف عليه كعضو تختلف أيضا ردود الأفعال، ما بين الفزع، واللامبالاة والإشمئزاز بدرجاته.

مثله مثل فرج المرأة نادرا ما يوصف القضيب من النساء بإنه جميل، وإن كان القضيب يختلف لكون الرجال منشغلين به بشكل يصل إلى حد المرض أحيانا. مفهوم طبعا أن يرتبط القضيب بالنسبة للنساء بعظائم الأمور، فهو العضو القادر على ضرب الحياة في مقتل وفضح البنات وجلب العار وتدمير الشرف. ربما بسبب ذلك ضاعت على النساء فرص كثيرة أن يشعرن بجمال عضو حي مثل القضيب، ولا أقصد دوره في الشعور، إنما أقصد إنه هو جميل، حتى لو لم يفعل شيئا.

عند واحدة نقاش حول "الهرش" وارتباطه بالقذارة واللياقة وحتمية ارتداء ملابس داخلية حتى لا يبدو القضيب ظاهرا. وأنا أتساءل حول كراهة "الهرش". هل القضيب وما حوله محرومين من الإحساس بالحكة؟ لماذا نغفر للرجل أن يهرش رأسه ورجله وعينه وخده ثم نمتعض وندير وجوهنا أو نعتبره "معفن" – التعبير من تعليق لدى واحدة وليس تعبيري - لو مد يداً ليهرش لا سمح الله مساحة فيها القضيب؟ قد نشعر بالحرج نعم لارتباطات جنسية، وليس لهذا من أهمية، فهو حرج للأسباب الخطأ، هل يجب أن يكتم الرجل – ليكون رجلا شيك – الهرش ويتململ ويتعدل ويدرس المنطقة ويتحنجل ويفقد تركيزه فيما أقول حتى لا يهرش، فأفكر أنا فورا إن هذا الرجل الذي أنا جالسة معه إما رجلا "معفناً" أو ذئبا بشريا؟ هل كل من يهرش رأسه مقمل؟ هل كل من يهرش بطنه جربان؟ هل كل يهرش قدمه مصاب بالفطريات؟

سأذهب خطوة أبعد من ذلك. فلنفترض إن رجلا ما في ظرف عادي مرت بذهنه أو بجسده فكرة أدت لرد فعل انتصابي طبيعي، فاستعدل قضيبه بدلا من أن يصاب باحتباس في الدم، ما الضرر الاجتماعي الفادح الذي أصاب المجتمع؟ ليس عيبا أن ينتصب قضيب كلنا نعرف إنه ينتصب ونتوقع أن ينتصب فيحتاج لتغيير وضعه قليلا. انتصاب القضيب ليس فضيحة، الفضيحة هو أن يعتبر الرجل انتصاب قضيبه أمر بالاحتكاك أو الانتهاك لأي أنثى مارة، وكأن عفريتا مسه، وليس على إنه رد فعل يحدث للجميع رجالا ونساء – سريان الدم في الأعضاء الجنسية سواء مع الإثارة أو دونها – وعليه أن يتعامل معه على هذا الأساس ليس أكثر.

سمعت من النساء كلاما كثيرا عن القضيب يتراوح ما بين "يع" و"جاهم القرف" و"بيخوف" إلى التعليق الذي وجدته هنا على تدوينة قديمة. خسارة إن عضو حي مثل القضيب لا ينال حظه من الإحساس.

خسارة. الأعضاء الجنسية الخارجية للرجل جميلة، وتناقض أحاسيسها بديع، فبينما يُمَس القضيب نفسه ببعض القوة ويستعذب بعض الاعتصار أو الضغط ويشكل ذلك متعة – شديدة غالبا – فكيس الصفن - والخصيتين عالتيا الإحساس أيضا - لابد وأن يمس كطفل وليد، بمنتهى الرقة بجلده الرقيق والخصيتين اللتين لا تتحملان سوى المس الخفيف جدا، نزولا للمنطقة الحساسة المهملة في الرجل والمرأة – العجان – فهناك عالم كامل من الأحاسيس على طيف طويل. عليكِ أن تكوني رقيقة كريشة هنا وأن تستجمعي قوة كفيك هناك وأن تكوني كمرور الهواء في مكان آخر. لطيف. وانفعالات القضيب المختلفة، من انتصاب وقذف حية جدا. كيف يمكن للمرأة ألا تحبه؟

ما لا يتضح في أذهاننا بشكل مباشر حول الجنس بين الرجال والنساء، ربما لإن الرجال هم من كتب الجنس وتاريخه، هو إن أكثر الأعضاء إحساسا في الرجل والمرأة، ليست هي محور إحساس الطرف الآخر، بمعنى: الإيلاج أكثر الأحاسيس "كثافة" – ولن أقول متعة لإن كل حر فيما يمتعه أكثر – لدى الرجل، أي كون القضيب بكليته محاطا بالنسيج المهبلي وحرارته وزلاقته وما خلافه. ولذلك، فقد افترض الرجل، حين بدأ يفكر إن للمرأة متعة أيضا، أن المنطقة المقابلة لديها في نفس العملية – الإيلاج – لابد وإنها الأكثر إحساسا، وهو خطأ تاريخي لم ينجح بعض من أذكى الرجال في التغلب عليه – فرويد في كل مجده لم يفهم. أما المرأة فأكثر إحساساتها "كثافة" أيضا هو الإحساس البظري باللمس المباشر، بدرجة الضغط المناسبة لدرجة تعبأ البظر بالدم في تلك اللحظة، وإن كان حتى في تلك الناحية، فالنساء يستمتعن باللمس الخالي حتى من أي ضغط يذكر في كل مراحل الإثارة، وهو الأمر المحير الذي ينطبق على كل أجسامهن بما فيها الأعضاء الجنسية الخارجية، على عكس الذكور الذين قد يفقدون الاستمتاع باللمس الخالي من الضغط على القضيب بعد الانتصاب الكامل. والبظر طبعا ليس محور إحساس الرجل في علاقته بالمرأة، إنما المهبل. الرجال والنساء لم يوجدوا ليتقابلوا، إنما ليبذلا مجهودا خاصا كي يصل أحدهما بالآخر لمتع جديدة. أحب أن أفلسفها وأقول: كي لا يُفقدا في أقصى متعة في نفس اللحظة فيفكر كل منهما في نفسه فحسب، بل كي يتمتعا بلحظات انفعال الشريك أيضا، هذا لو كان في العلاقة شريك مكافئ، وليست استنماء من شخصين. الفقرة السابقة هدفها أن أوضح رأيي من أن القضيب لا يمثل – كما يحب الرجال أن يعتقدوا – المتعة الكبرى بالنسبة للمرأة، فالإيلاج بالنسبة للمرأة هو مداعبة ليس أكثر، لإن العضو الذي سيصل بها للأورجازم في مكان مختلف. وربما لإن الرجال يقودون الجنس، فقد فقد القضيب متعة أساسية بالنسبة للمرأة، أن تداعب به الرجل، والإيلاج على أي حال يحدث في معظم الأحيان على غير استعداد من المرأة، وعليه مفهوم أن يصبح القضيب عضو "يخص" الرجل، وينجز مهمة قد تستشعر المرأة في حالة من ابتسام الحظ جزء من المتعة فيها، وكان الله والدنيا كلها بالسر عليم.

القضيب أيضا للأسف من الأعضاء التي تتعرض للتشويه المنظم، ما إن يولد ذكر حتى يقررون إنه لا نفع لغرلته فيسحبونه وعمره يوم واحد أو أكثر قليلا ويقصون من جسده. من أنتم يا سادتي الأنبياء الآباء الأطباء الشيوخ الكهان حتى تقرروا لطفل أن قطعة من جسده ستستأصل بلا مرض ولا علة ولا حاجة؟ أيضيركم أن تنتظروا أن يقرر الذكر لنفسه؟ عار عليكم

معظمنا كنساء مصريات لن نرى شكل القضيب الحقيقي أبدا، إلا في المواليد الذكور قبل أن يمدوا إليهم الأيادي المباركة بالمقصات ... اكتشفت للتو إنني أتحدث عن خبرة مع القضيب المختون، وإنني لا أعرف القضيب الكامل كما خُلِق إلا في الصور. ولو، هو جميل على أي حال. على أي حال بعد أن يكتشف الناس حماقة تمسكهم بالملابس بمناسبة وبدون ويعتاد الناس رؤية القضبان حرة في الهواء الطلق، سيتقلص الكثير من الخوف ويبدأ التعامل الطبيعي مع جزء طبيعي في جسد آدمي طبيعي.

كنت أحب ورقة العنب التي ينحتونها أو يرسمونها مكان القضيب في بعض التماثيل العائدة للعصور الرومانية، شكلها يشبه منطقة القضيب فعلا، قطعة طويلة في المنتصف محاطة ببروزين أصغر، واحد على كل جانب. ما ألطفه!
ربما لذلك يذكرني شكل القضيب دائما بشيء جميل، فأنا أحب كل من العنب وورقه. صحيح إن النساء يستغرقن بعض الوقت ليعتدن انفعال القضيب، إلا إنه بعد اعتياد تغير شكله يمكن لأي امرأة كانت، إذا أتاح لها شريكها الفرصة أن تشعر إن القضيب جميل. ليس إنه "قوي" ولا "كبير" ولا "قاسي" ولا "مثير": جميل ... أقصد "جميل".

سيداتي: أعطوا القضيب فرصة، ربما لو شعرتن به ستجدنه جميلا، ربما لو تأملتنه بعيدا عن كونه عضو جنسي أحيط بما أحيط به من تاريخ مشوه ستسلطفننه، وليس صاحبه فحسب.

هل يعرف الرجال – أو يشعرون – إن أعضائهم الجنسية الخارجية "جميلة"؟

Friday, October 20, 2006

خط أزرق

لم تكن بالنسبة لي أكثر من خط أزرق

خط أزرق لابد من محوه بأي ممحاة قادرة

لم تكن هناك أي من تلك المشاعر المختلطة ولا أي من الهراء الذي يحكون عنه

مجرد خط أزرق حيث كان من المفروض أن تكون هناك مساحة بيضاء لتسير الأمور وفق ما هو مخطط لها، لست ممن يقدرون المفاجآت ... خصوصا ذلك النوع من المفاجآت

أنت لا تفهم، مفهوم ... فكم خلية تكون الجنين وعمره خمسة عشر يوما؟ مئة؟ ألف؟ عشرة آلاف؟ مليون؟

أنا أتكون من ما يقرب من مئتي بليون خلية ... بليون، ولا أفهم

أنت مجرد خلية من المئتي بليون خلية التي تكونني، أي إنك واحد على 200 بليون

وأنت لست "أنت" على أي حال، والصواب لغويا على الأقل أن تكون "أنتي"، فالجنين دائما أنثى حتى يحدث ما يقلق هرموناتها بعد الشهر الثالث. لذلك تصحيحا للخطأ التاريخي: أنتي

وأنتي لست "أنتي" أيضا، لإنك لست انسانا، ولكنني على أية حال أحادث الأسرة والكراسي والوسادات وكأن لها حياة فيها، فلنتغاضى إذن عن كونك غير موجودة بداية

لم أسمح لك أن تأتي لأنني أحبك، أنت وكل أخوتك الذين يذهبون كل ثمانية وعشرين يوما. كل واحدة منها فرصة لانسان وغير مسموح تحت أي ظرف أن تكتمل تلك الفرصة، من ينجبون الأطفال ربما يحبونهم، أما من لا ينجبونهم فيحبونهم أكثر بكثير

آه، رفضت أن تبقي في جسدي يوما واحدا آخر، شعرت بما سأشعر به لو إنهم أخبروني إن ورما خبيثا ينمو في أحشائي، أكنت أتردد في استئصاله لو كان ذلك متاحا؟ ولا لحظة

أتذكر الطبيب وهو يسحب الدم من ذراعي وقد تصلب ذراعي بالكامل بعد ظهور الخط الأزرق، ابتسم قائلا: "إنك متوترة لإنها المرة الأولى"، رددت عليه بإنني لا أريد أولادا فتجهم قليلا كإنني كسرت حالة صوفية ما تنتابه بينما يجري اختبارات الحمل، كإنه بشكل ما يشارك في المهمة المقدسة.

أحاول أن أشعر الآن بأي شيء أو أفهم حجم المعركة القائمة بشأن الأجنة المجهضة وكم الأدبيات المكتوبة حول الشعور بالفقد وما تصفه النساء من مشاعر على إنها مشاعر غريزية تبدأ مع الحمل. شيئا من هذا لم يحدث لي. لم يحدث أكثر من الغضب وركل الحوائط بسبب انحراف الخطط عن مسارها برغم اتخاذ المحاذير اللازمة. لا أنكر إنني لا أؤمن بحياة الأجنة، فالجنين ليس أكثر من مجرد خلايا غير قابلة للحياة المستقلة مثلها مثل ملايين الخلايا التي يطردها رحمي كل ثمانية وعشرين يوما. سنوات وأنا لا أشعر إلا بالراحة إنني نجحت بكفاءة في إزالة الخط الأزرق، بالرغم من نقص خبرتي وقتها.

لا أخفيك إن كل المعطيات الدينية بشأن الأجنة ليس مسجلة في خلايا دماغي أصلا، فالمجانين ذوي الذقون والعباءات يحللون الإعدام ويحرمون الإجهاض، لا تشغلي بالا، يمكنك أن تفهمي ربما من ذلك المثل البسيط سخافة وتناقض البشر الذين أعفيتك من الاختلاط بهم.

هل سأتردد اليوم في إزالة أي خط أزرق آخر؟ لا أظن. سأفترض إنكِ إنسانا كما يحب البعض أن يعتقد لغير سبب منطقي، صدقيني أنت أفضل حالا كثيرا في البالوعة. فمكب النفايات الأكبر الذي نعيش فيه مشكلته إنكِ تشعرين، على عكس كونك خلايا ميتة في البالوعة. وثقي إنني أحمد نفسي مرتين كلما أطلقت إحدى ثورات غضبي أو خوفي أو اكتئابي على رف برئ يرفض أن يثبت في مكانه، أو طبق صيني مسكين، أو صديق تصادف وجوده وقتها. كان من الممكن أن يكون ... أنتي. أحمد نفسي مرة لإنني حميتك من الدنيا كلها، ومرة أخرى لإنني حميتك مني.

أحيانا أحاول أن أفكر: ماذا لو كنت ولدت؟ كم سيكون عمرك وشكلك ومثل تلك التفاصيل، إلا إنني لا أشعر بأي شيء، ولا بأي شوق، ولا ينتابني إلا الإحساس العارم بالراحة السالف ذكره.

أعرف إن المسألة معقدة جدا على الفهم بالنسبة لعدد لا يذكر من الخلايا مثلك، إلا إنني تذكرت للتو فلم فرنسي شاهدته مرة وأنا صغيرة اسمه "العصافير الزرقاء"، للأسف لم أجده أبدا بعدها. كان الفلم يدور في عالم ما قبل الولادة، حيث الجميع سويا سعداء حتى تعكر الولادة صفوهم. ربما أنتِ هناك وسعيدة، بأي حق على أي حال آمر انسانا أن يوجد لمجرد إنني رغبت في امتلاك شخص؟ الرغبة في الخلق فتنة، ولا أحد يحذرنا منها.

بما إنكِ هناك وسعيدة فلست مضطرة لتعكير مزاجك بالتفكير في الأمر، أتركيه لنا نحن الذين ولدنا ولا نعرف لماذا ولدنا، على الأقل أنتِ تعرفين الآن لماذا "لم" تولدي.

Monday, October 02, 2006

بيسو وواحدة وحاجات تانية


لازال عندي أمل أن تنتظم دورة حياتي: أستيقظ وأنام بمواعيد ويصبح من السهل عليَ أن أتوقع ما سأفعله في الغد وأضمن إنني لن أستيقظ وساقي ثقيلة كالرصاص ودماغي متوقف عن العمل وملتصق بالوسادة وأحتاج لأستريح من النوم نفسه. أحاول منذ قرأت ما كتبه أحمد هنا أن أجلس بجدية لأفكر في الموضوع وأكتب، فتمر أيام وأفكر أحيانا ولا أكتب وها أنا أتشعب إلى موضوعات جانبية وقد أنسى ما خرجت لأجله.

ما علينا

في الفترة الأخيرة لأسباب اعترضت طريقي بمحض الصدفة الكونية التي ليست بصدفة على الإطلاق كنت أفكر أثناء المسافات الطويلة في الجنس والنوع والجنس الاجتماعي والتشريح، ووجدت كل النهايات مفتوحة بدون أي تأكيدات معرفية. أي إنني لا أفهم. وكنتيجة لإنني كنت أفكر كثيرا دون أن أصل لنهايات أو أشباه نهايات فقد اندهشت كيف إن الواحد أو الواحدة منا يواجه منذ الصغر بكم هائل من الحقائق المطلقة والتأكيدات الخاصة بجنسه وتشريحه وما يجب ولا يجب أن تحس به. يظن المرء أن الجنس والنوع والمشاعر المتعلقة بهما وأخلاقياتهم هو موضوع في غاية السهولة، شكة دبوس. أشعر هذه الأيام إنني أتحول إلى عذراء مرة أخرى، لأن فكرة ما عن العذرية كانت تتملكني منذ صغري، إنها حالة عدم فهم الشعور، فالطفل قد يحس الأورجازم بل ويغتصب دون أن يفقد عذريته، فالعذرية هي الجهل بالشعور وعدم فهمه، وهذا هو الشعور الذي يتملكني هذه الأيام بشأن الجنس كله.

أثناء تلك الفترة قرأت ما كتبه أحمد وظهرت "واحدة" – يا أهلا وسهلا.

يا بيسو أعجبني فيما كتبته فكرة عدم وجود حدود حادة جنسية فاصلة مثل ما كان الإنسان يظن بالأساس. التأكيد على فكرة إن البشر لا ينتمون لنوعين محددي الشكل والشعور والميول الجنسية وإن الإنسان طبيعة أكبر من أن يحدده شكل جسده أو الأشكال الاجتماعية المفروضة.

مرورا بمسألة النسوية وعضوات الحركة النسائية التي خصصتني وواحدة فيها في الحديث، فقد قرأت ما كتبته واحدة أكثر من مرة.

الحديث عن النسوية أو الحركة النسائية أو غيرها من الأسماء محير بالنسبة لي لا أنكر. ربما لإني شخصيا لم أنتم يوما لأي من الاتجاهات الرسمية المشجعة لتحرر المرأة أو ما شابهها من الأسماء، لذلك فمصطلحات مثل الحركة النسوية والجنس الاجتماعي جديدة نسبيا بالنسبة لي، عرفتها متأخرا بعد أن كانت أفكار كثيرة قد تكونت فعلا. ربما كان ذلك ما جعل قراءتها مسلية، خاصة كلما تقدمت في العمر. لهذا السبب لن أتحدث إلا برأيي الشخص، وما أعنيه أنا سواء على هذه المدونة أو في حياتي بشكل عام، وأرى إن موضوع مثل النسوية يشبه الدين بعض الشيء، كل منا يراه بشكل، وصعب أن يوضع كله في سلة واحدة، خاصة مع الاستعمال المبتذل للكلمة، كل يستعملها لشأنه الخاص بداية من صافي ناز كاظم (الموجودة في قائمة علاء لمن سيزورهم بالبازوكا بعد أن يصل للحكم – عن استحقاق) ومن شابهها من أخواتنا وحتى نوال السعداوي ومن يسيرون على نهجها مرورا بكل أشكال الطيف.

أفهم تعاطفك يا أحمد مع الأهداف، وقد أثار ما قلته عن التعاطف بالذات أفكارا خاصة لأسباب متسلسلة لن أتعبك بذكرها. فكرة المساواة أقلقتني منذ الطفولة بسبب انشغالي بفكرة أخرى هي: "العدالة". يصعب على من يؤمنون بأهمية العدالة في استقامة الحياة ألا يؤمنوا بفكرة المساواة ويصعب على من يعتمدون الاستنتاج الرياضي ألا يصلوا لمنطقية فكرة المساواة بين البشر. لهذا السبب قد تتعاطف دون حتى أن تفهم أو تهتم بتعقيدات الرحلة: بمعنى أن يصبح الإيمان بالمساواة - بين أيا كان من البشر - أساسا يبنى عليه ما يمكن الوصول إليه بعدها وليس الممكن هو محدد درجة المساواة.

بشكل شخصي أرى إن حركة تحرر المرأة هي حركة تفكيك وليست حركة قطعنة وهذا خلاف أساسي لي مع تدوينتك يا بيسو: بمعنى إن تحرير الإنسان هو عتقه من حتمية الانتماء لقطيع معين، وليس إعادة تقسيم الدنيا لقطيع ذكوري وقطيع من الإناث في معركة أو محاولة لانتزاع مساحات من الآخر، إنما تحرير الفرد، ثم الفرد ثم الفرد. أنا من غير المؤمنين بالجماعة. أن تتحرر المرأة أو الرجل في رأيي هو أن تنفك ربقة المبادئ والأخلاق الموروثة وأن تختار ما تنتمي إليه وما تعيشه بنفسها وأن يتحول المجتمع إلى مكان للنمو المبدع للفرد وليس مجال قمع أي ما يخرج عن المألوف.

وعليه أيضا فأنا أختلف مع النصف الأول من هذه الفقرة في تدوينة واحدة وأتفق تماماً مع النصف الآخر:

المرأة بتجيلها الدورة الشهرية مرة في الشهر او كل 28 يوم. كلنا نعرف هذا. جسمها يظل في تحول مستمر طوال شهر كامل مابين دورة وأخرى بشكل انت مستحيل تفهمه لإنك لم ولن تعيش تجربة مشابهة له ابدا في حياتك. مزاجها يتغير. رائحتها وشكل جسمها واحساسها به يتغير. هذه حالة هي تعيشها 24 ساعة في اليوم لمدة 12 شهر. تجربة الحمل الثقيلة جدا, الولادة, الإرضاع, وياسلام لو اجهاض. الذكر له اورجازم واحد بينما الأنثى تتعدد اشكال الأورجازم عندها. كل هذا بلإضافة لتجربة وجودها في مجتمع ما, تحكمه قوانين وأعراف تضطهدها كأنثى, يخلق تمايز ما بين تجربتها وتجربة الذكر. الكنيسة التي تتعامل مع النساء بإعتبارهن درجة أدنى لإن المرأة من نسل حواء اللي هببت آدم من الجنة, الثقافة الإسلامية اللي مابتفرقش مابين دعاء الزواج ودعاء شراء عبد أو دابة, التوراة اللي بتشوف المرأة كائن نجس. كل هذا القمع والتعالي, بكل تداعياته على سلوك البشر, يخلق بالرغم منك ومني, تجربة "عامة" للنساء. حتى بإختلاف اوضاعهم العمرية أو الطبقية او إختلاف أشكال "مهابلهم".

شعرت بدغدغة فكرية لطيفة حين قرأت هذه القطعة

سبب "الزغزغة" هو إنني شعرت بإنني أختلف معها – لا تهملوا الفعل "شعرت" – وشعرت أيضا إنني أتفق معها، فجزء مني لا يؤمن بتفرد خبرة المرأة لإنها امرأة أو تفرد خبرة الرجل لإنه رجل، فأنا لا أؤمن مثلا بسيطرة دورة الهرمونات على حياة المرأة، مثلما لا أؤمن بمن يحملون الرجل مسؤولية العنف لإنهم حين يحقنون الفئران بالتستوستيرون يجدونها أكثر ميلا للعنف والدموية. أنا لا أؤمن بدور الكيمياء في حياة البشري إلا في حدود معينة ربما كتبت عنها لاحقا. هناك إحساسات خاصة يختبرها كل جنس وحده فحسب؟ أكيد، إلا إن حجمها أقل جدا من أن يصبح مكون مهم للحياة.

مثلما أختلف مع جمل من نوع: "الأنثى المقدسة" إلا في سياق أدبي مثلا من نوع قدسية الإنسان نفسه وجسده وإبداعه، أما من يظن إن جسد المرأة به من العبقرية ما يجعله متفوق عن جسد الرجل وبالتالي يجعلها إنسانا أكثر تفوقا فهو استبدال لتمييز بتمييز آخر ودعوة ساذجة لسباق محموم ليس فيه من مكسب أو خسارة إنما لهاث مستمر واحتقار مستمر من الطرفين، لأن الجسد بالأساس ليس محور الإنسانية، وقدرة المرأة على الإنجاب مثلا لا فضل لها فيها ولا تعني تفوقا انسانيا، ألم تنجب النساء للموت قطعانا وراء قطعان؟ قد تكون فكرة الإنجاب بالنسبة للإنسان الأول فكرة مدهشة ومبهرة، إلا إنها لابد أن تكون في حجمها بالنسبة للإنسان الذي تعرف أكثر على عمق خبرة الحياة.

لأوضح رأيي أكثر: معظم الخبرات الخاصة – أو التي توصف بإنها خاصة – مثل ما كتب هنا، تنبع خصوصيته من وصفه الاجتماعي، فأهمية أن تختبر المرأة الحيض على إنه دليل صحة وشعور حياتي طبيعي مصدره القلق التاريخي من دورة المرأة الطبيعية وإحاطتها في الجوامع والكنائس والنواصي والحمامات بطقوس خاصة ومحظورات تحولها عن طبيعتها وتجعل اختبارها بشكل تجريدي ككجزء من الحياة تجربة جديرة بالعيش. أما دور تغير الهرمونات في دورة مستمرة فلا أراه ولا أحسه ولا أفهمه، لأن أجسادنا بالطبيعة تعيش في دورات ولا نشعر بها، عشرات الهرمونات التي اكتشفناها والتي لم نكتشفها تسعى في الجسد الإنساني في دورة يومية أو أكثر من يومية، مثل هرمونات النوم واليقظة ، الجسم أذكى من أن يعيش مقلقل، وفكرة الدورة القمرية لطيفة أدبيا، وفيها تواصل مع الكون يساعد على اختبار أحاسيس عميقة، ولكنها أبعد من أن تكون – في رأيي - مكون أساسي يلون المرأة ويجعل لها خبرة خاصة ثقيلة لا يستطيع الذكر اختبارها. فليعش كل إنسان خبرته الفردية، ولكن لا أظن إن طبيعية بيولوجية خاصة لدى المرأة والرجل تضع خبرة لها ثقلها على حياتهم بسبب الفزيولوجيا وحدها. لا أقول لا تضع خبرة إطلاقا، إنما أقول إنها ليست بالخبرة الثقيلة – بشكل تجريدي. معذرة إن أوضحت هذه النقطة أكثر: المرأة لابد أن تختبر الكثير الآن كامرأة بسبب إعاقة المجتمع والتربية للانسياب الطبيعي لعلاقتها بجسدها ونفسها كإنسانة، أما فور أن ينتهي ذلك الاختبار وتتم معادلة التأثيرات الاجتماعية، تنتهي الحاجة لتلك الخبرة. هدف الخبرة الخاصة في هذه الحالة هو التحرر من المعوقات.

لأضرب مثلاً من مدونة واحدة ومدونتي: كلتانا أنت وأنا كتبنا عن خبرة خاصة بشأن مشدات الصدر هنا وهنا. قال لي عدد من الأصدقاء إنهم ما كانوا يظنون المسألة محورية وأساسية بهذا الشكل وتشكل كل هذه المشكلات، وأنا أصدقهم: لابد أن تكون امرأة لتشعر بذلك، وتحول جزء من الجسد لمشكلة معقدة تستدعي التعامل الدقيق اليومي ومحاولة التحرر من تلك القيود هي خبرة خاصة سببها ليس امتلاك المرأة لثديين: إنما سببها تعقد العلاقة بجسد المرأة وفظاعة تعامل المجتمع معها كهم لابد من التخلص منه. ما كتبته هنا عن الحيض ما كان ليصبح خبرة خاصة لولا كل ما يحيط بكل ما يخرج عبر رحم المرأة من جسدها بصفات النجاسة والقذارة والمرض، ولو لم تكن ورائي خبرة حزينة يحكمها الآباء والأمهات ورجال الدين لربما كان الاحتياج لخبرة مثل تلك قد انعدم تقريبا.

كما أن لي أملا خاصا، وربما كان رأيا في الحياة عاشتها امرأة. إن تكثيف جهود النفس كلها للنيل من المجتمع الذي بالتأكيد ظلم المرأة – وأقصد المجتمع الإنساني – هو مضيعة للحياة، أنا أرى المجهودات التي تبذلها المرأة مع نفسها أو تلك التي يبذلها الآخرون مع النساء تسير في طريقها الصحيح حين ينظر إليها كطريق لمناخ يهيئ أن يتخلص إنسان هو بالصدفة امرأة من معوقات أن يختبر الحياة ويعيشها وتفتح أمامه كل خبراتها بكاملها. الحرية وسيلة الاختبار الكامل للحياة، بدون شروط مسبقة.

أشعر إن هذه التدوينة متخبطة بعد الشيء، أتمنى أن يكون المعنى الذي أردته قد اتضح.

أهلا بك يا واحدة وبحاجاتك التانية التي هي أكيد غير الحاجات الأولانية، فما أندر الأصوات المختلفة التي تتكلم عن الحاجات التانية.





Tuesday, September 26, 2006

صََلاة



Monday, August 07, 2006

وليس الذكر كالأنثى – (1)

نولد كلنا ثدييات، قردة عليا، بعضنا يبقى كذلك وبعضنا يستغل النصف في المائة فارق في التكوين الجيني بيننا وبين من نقاربهم من القردة العليا، بعضنا محظوظ أن يجد من يقوده على طريق العقل والروح، وبعضنا يسوء حظة إلى حد أن لا يجد في طريقه إلا من يعلمونه كيف يكون قردا نظيفا مكسيا من القردة العليا.

وفي كل الأحوال ساء حظنا أم حَسُن، تظل الرحلة ممتعة ومضنية، مقلقة وغير قابلة للتفاوض، ما إن نبدأها حتى تستحيل العودة، ويبقى كل قلق فيها، وكل ألم عليها أهين كثيرا من العودة حيث كنا إلى كهوف القردة العليا.

ومن يسعون في تلك الرحلة يبدأون من حيث يقفون، سعيا نحو التحول إلى ما يسمى الإنسان، وليس من مكان أوضح من ذاك تصح فيه عبارة: وليس الذكر كالأنثى

بكل أسف فإن رحلة الإنسان نفسه في التطور من قرد أعلى إلى إنسان صاحبها ذلك التغير المقلق الذي حوله إلى كائن أكثر تأثرا بمجتمعه وبيئته وعائلته، وأصبحت معطياتهما هي أول ما يبدأ به الانسان، إن قرر أن يبدأ أبدأ رحلته نحو الانسانية.

وبينما يبدأ الذكر من موقع، فعلى الأنثى أن تقطع أشواطا إضافية قبل أن تصل إلى نفس ذلك الموقع، عليها أن تطرق كل باب لتثبت لمن وراؤه إنها إنسان وليست "الرجل ذو الرحم" ولا "إنساناً بشرطة" ولا "نصف إنسان". ليست إنساناً ذو "صفات خاصة" تستوجب التنظيم الذي يضطر المجتمع إلى كبح جماحه تحت دعاوى مختلفة.

وعليه، فلا عجب أن تصل المرأة منهكة، لاهثة الأنفاس، من موقع لا يستطيع رجل إلا أن يتخيل صعوبة التحرك منه، من خلف غمامات الخوف ووسومات العار وفؤوس العشيرة.

بينما يعبر الذكر عتبات المراهقة، الفترة العجيبة التي تنمو فيها الروح بشكل مذهل، تنفتح أمامه أبواب الحياة وتطلق له حمائم الحرية بدرجات مختلفة، فينمو في الاتجاه الطبيعي، ولو بدرجات متفاوتة حسب تفتح مجتمعه، ولكن كلها على أي حال اختلاف في الدرجة، تعبر الأنثى نفس العتبات إلى القيود والحط من حريتها لو كان لها البعض منها، مما يذكرني بالأحذية الحديدية التي كانت توضع فيها أقدام الفتيات الصغيرات في بعض مناطق الشرق الأقصى حتى وقت قريب كي لا تنمو بعد سن خمس سنوات، فتبدو الأنثى إلى الأبد طفلة. بينما يصبح نمو جسد الذكر رخصة للمزيد من المسئولية والتفاعل مع المجتمع والاستقلال، يصبح نمو جسد الأنثى ترخيصا لكل من يتنفس في محيط عشر خطوط عرض منها أن يملي عليها ما يجب أن تفعله، بدءً من ما عليها أن تلبسه وانتهاءً بما يجب أن تعتقده أولا تعتقده، ما يصح أن تمتهنه وما لا يجوز أن تمتهنه، ونوع القهقهة التي من حقها أن تطلقها كردة فعل على شيء أضحكها كإنسان له حس من الفكاهة.

أتذكر ذلك المشهد المعبر في فلم "أسرار البنات"، حيث ترقد الفتاة بعد انتهاء القصة كلها على سريرها وتزدحم الغرفة الصغيرة بالأشخاص الذين أملوا عليها حياتها: الأب والأم، المأذون، الطبيب، المعلم، الزملاء، عمها، عاملين يتحرشون بها في الشارع، وغيرهم. يصفعني ذلك المشهد كلما شاهدته.

أرى إن نمونا لنختلف كبشر عن القردة العليا لا يتم مهما توفر التعليم أو الرفاهية أو الحب: فتلك قد تجعلنا قردة مدربة أو قردة سعيدة (وهي من الأشياء التي تجعلنا "قِرَدْة راضية" أيضا وتخلق أيضا "القِرْدْة الراضية"). إلا إن التطور عن القرد الأعلى يحتاج إلى ما هو أهم: اكتشاف العوالم الأرحب، انفتاح الذهن، التخلص من القيود الذاتية وقبول ما يمليه الفرد على نفسه منها فحسب، والسعي الدائم لبلوغ الدرجة الأخرى من الفهم والحكمة. وأرى أيضا إنه في أفضل الأحوال فإن ما يتبقى لنا من مساحة نستطيع العمل عليها بعد مؤثرات التربية والمجتمع والوراثة وصفات الجسد هي مساحة ضئيلة مهما بلغت، يصبح الحفاظ عليها مسألة فيصلية في كياننا. إذ إننا شئنا أم أبينا سنحمل ما بين الوعي واللاوعي مساحات هائلة من المعطيات التي تحتاج إلى معجزات كي نصل إليها مبدئيا ولا أقول نتعامل معها أو نتدارسها ومساحات أخرى من المسلمات ومن المخاوف ومن الضعفات. وفي حال توفر أفضل الظروف الانسانية سندرك "نصف في المائة" من تكويننا ونبقى عاملين عليه حتى الموت على أمل أن نرتقي بهذا النصف في المائة عن أصولنا القابعة فوق الشجر أو تحته.

وفي تلك المساحة الضئيلة تغتصب مساحة أخرى من الأنثى خاصة في أهم مراحل تكونها: المراهقة. أتذكر حوارا كان أُجري في مجلة الإذاعة والتلفزيون قبل أكثر من عشرين عاما مع الممثلة صابرين إبان خطبتها للمغني محمد فؤاد (وفسخت الخطبة بعدها بفترة)، قرأته وأنا طفلة. أتذكر جيدا جملة كانت في هذا الحوار قالتها صابرين: "المرأة يتحدد مصيرها يوم أن تولد بإنها ستكون زوجة وأم". بقيت تلك الكلمات محفورة في ذاكرتي. أي حياة تلك التي يتحدد مصيرنا فيها يوم أن نولد؟ أي قيد يوضع على فرصتنا للنمو والتفتح لو كانت حياتنا "نفق" وليست "فضاء"؟ ما هو الغرض من الحياة على أي حال؟ كلنا سنولد ونموت وينتهي أمرنا، نحن ومن نتزوجهم ومن نلدهم، كل ما فيها هو "الاختبار". أن نحس ونرى ونختبر ونخطئ ونفرح ونشعر بالفارق بين نشوة الفخر ونشوة الانتقام ونشوة الفهم. أي اختبار لكائن "تحدد مصيره يوم أن وُلِد؟". أيكون الرحم المظلم الضيق أرحب من كون فسيح يعجز العلم عن حساب اتساعه؟

-تتبع-

Wednesday, August 02, 2006

ميم "****"-2

لا تستطيع دعوة أحد للخروج من دائرة خوف، تستطيع فقط أن تخرج.

باب عريض وواسع وراءه لا تنادى الأسماء همسًا، ولا تسمى الأعضاء خلسة، ولا يُسمي المرء ابنته "ناهد" ثم لا ينطق كلمة "أثداء" أمامها أبدًا. لا أحد يتحدث بالإشارة أو شفرة مورس، بل ينادى بالأسماء في المجامع وفوق الأسطح.
مرة واحدة، مرة واحدة قبل أن يستولي عليك الرهاب وتموتين ويتعفن الجسد الذي جرت بسببه كل تلك المذابح النفسية. صرخة واحدة ثمنها نوبة هلع تؤدي لسكتة قلبية وموت مستريح وسعيد.
مرة واحدة انظري إليه وسمه باسمه، ليس مهمًا أن يقتنع الـ"هو" الموجود بحياتك، لحظة حرية، عَرِي تلك الروح ودعك من أوهام "الجوهرة المكنونة".

سيري في الوسط وليس على الجانبين كما دعى أستاذ الجامعة طالبته حتى لا "يفتننه"، ولمرة واحدة أزيحي الستار عن كل العورات، فليشهق من يشهق، ستعيشين مرة واحدة، فعيشيها كاملة، فهم في النهاية إلى مواضع راحتهم راحلون وستبقين أنت وجسدك وحدكما، ذلك الجسد الذي حذروكي منه وحذروا أنفسهم منه حتى الثمالة.
انطقي الحروف وانظري بملء عينيكي الاثنتين لتكسري سطوة السحر الأسود إلى الأبد.

((((((((((((

أكان يجب أن تتعرفي إلى نفسك؟ بهذا الشكل المُلِح؟
أما يكفي أن يعرفك الطبيب المتخصص في "مثل تلك الأماكن؟"

قالت لي: "أتتصورين إن طبيبي بينما كان يقوم بتوليدي كان يضع أدواته على بطني ويتعامل معها كمنضدة بين يقف بين ساقيَ المشرعتين؟ تدخل يداه إلى جسدي بدون أي استئذان وكأنه يسلك بالوعة؟"
قلت لها إنني أتصور وأكثر، فأطباء "تلك المناطق الحساسة" ليس لديهم في العادة أي "إحساس"، يغلب عليهم ما تعملوه قبل سنوات الطب، وما تعلموه في المقهى، وفي الدار، وعلى الناصية، رجالاً ونساءًا.

كان يجب أن تعرف، لماذا يفترض أن يحتمل أحدنا صندوقًا مغلقًا أمامه طيلة أيام حياته؟ ألا ينبغي أن نفتح صناديق أجسادنا المغلقة لنرى ما لديها لنا؟ لنسمعها؟ لنراها؟ لنعطها صوتًا أباه عليها الجميع؟ من سيدافع عنـ"ه" لو لم تدافعي أنت؟

لا، لا يكفي أبدًا أن يعرف الطبيب، خاصة وهو لا يعرف شيئاً

"أعضاءنا الحساسة" ليست ملكًا للأطباء ذوي الأدوات البغيضة ولا للأزواج المأزومين جنسيًا ولا لشيوخ "العورات" و"المفاتن"، إنها ملكًا لنا نحن، ابعدوا لافتاتكم عن أراضينا

لماذا إذن بعد أن تنظرين إليه وتتمعنين فيه تحت الأضواء القوية مقارنة تلك الثنيات بالأخرى المثالية بكتاب التشريح لا تأتي الثورة؟ ولا الغضب؟ ولا فورة الغليان؟ ألا يجب أن نرفع أيادينا بعلامة النصر؟
لماذا نتيه بتلك اللحظة فلا يعود للثورة من معنى؟ تلفنا الراحة عوضًا عن الغضب، واللامبالاة عوضًا عن الاهتمام بكل من نصب نفسه نبيًا والهدوء، والشعور بانتهاء الحرب والعودة للديار. عدنا لأجساد تغربنا عنها أجيالاً، وضع فيها كل صاحب رأي علامته إلا نحن، فقط وضعت الأقفال على أفواهنا، وشرائط العيب على جبهاتنا.

(((((((((

أشرب شايًا وأقرأ شعرًا، أحب القواقع والأطفال الأذكياء، أطبخ بازلاءً وجزرًا، أبتاع لونًا جديدة للصيف و أتابع حلقات مسلسل الأيام المعاد، متوسطة الطول والوزن والعمر، أعرف تفاصيل "أعضائي الحساسة" ولونها وملمسها وما تحب وما تكره ولو كرهوا. ليست لديَ أية رغبة أن أكون "درة مصونة"، أود أن أخرج من علبة التفتاة وأرى نور الشمس. العلب للأشياء وأنا انسان.

(((((((((((

قال لي "موضع عفتي" اليوم إنه منزعج ولا يعرف لماذا، فضحكت. كنت بالأمس تتمنى لو سألتك فحسب "ما اسمك" واليوم تشكو من ملل ولا يخرسك أحد. لا عجب إنك تبدو عجوزًا فقد قطعت مشوارًا طويلاً.


ليس على المدينة أن تخاف على أخلاقها، ففتياتها حافظات، لاينظرن ولا ينطقن، لا يغنجن ولا يطلبن، وليس من داعِ بقادر أن يحرك فيهن الفضول أو الكرامة، ألا يقولون إن من فرطت مرة تفرط ألف مرة؟

وها قد قطعنا صفحة وأكثر دون أن ننطق بالكلمات العيب

(((((((((.
post scriptum:
هذه المدونة حرملكية، تقصر حديثها على موضوع الأنثى المحرمة، لذلك اقتصر حديثي في هذا الصدد على جسد المرأة، ولكن ألح عليَ أن أكتب كلمة أؤكد فيها رأيي إن جسد المرأة ليس هو وحده الجدير بالاكتشاف، وحري بالرجل أيضًا أن يجلب مرآته وينظر جسده في ضوء جديد، أكثر تفهمًا،يستمع إليه بعيدًا عن المعطيات المسبقة ومتطلبات الفحولة ومقاييس المجتمع