Wednesday, November 22, 2006

واحجاباه ... واه ... واه (2)


تابع لما سبق:

ثالثا: أن تضفي على أمر يحدث بشكل يومي، وفي أصله مجرد نشاط انساني سطحي بحت – مثل الملبس – طابعا دينيا أو صبغة دينية هو تمهيد أيضا للأرضية لتقبل إقحام الدين فيما لا يدخل ضمن نطاقه، وهو نفس ما ينطبق على السياسة، إذ إن من أهم مشكلات الإسلام السياسي، أو أي إقحام للدين في السياسة هو الوصول لمنطق ما لتبرير إقحام أمر يفترض إنه روحي غيبي مثل علاقة الانسان والله فيما هو مادي ملموس مثل النظام السياسي. ولتعذر الوصول لتبرير مقنع لا يبق أمامك، خاصة في المجتمعات الأكثر سطحية، أن تعد – للمرة الثانية – مزاجا عاما يتقبل ذلك ويشيد به ولو عجز عن دعم ذلك الاختيار بشكل منطقي، فالمزاج والميل العاطفي أكثر قوة ألف مرة من المنطق.

رابعا: الشعب المصري حسب رأي من أحترمهم من علماء الاجتماع وحسب رأيي الشخصي ديني المزاج، أو لنقل قدري أو غيبي المزاج دون دخول في التفاصيل، بمعنى إن ارتباطه بقوى غير مرئية هام بالنسبة له ولفرد نوع ما من المنطق على حياته إلا إنه لا يهتم كثيرا بالتفصيلات، لذلك، فعليك لو أردت أن تميله دينيا في جهة أن تجعل حجر زاويتك أمرا سطحيا سهل التبرير. "زي" "للمرأة". جمعت بين السطحية والفكر العام السائد بخصوص المرأة وجسدها وأقنعت الناس إنهم بذلك "متدينون" بشكل خاص دون أن تغرقهم في تفاصيل فقهية أو حتى تبرر لهم ما أقنعتهم إنه فرض إلا بكلمتين سطحيتين دون تمحيص، ولإن المصري دينيا لا يحب الدخول في التفاصيل، فقد أصبح سهلا عليك أيضا أن تحدثه بنفس الطريقة عن ضرورة إقحام الدين في السياسة – على أرضية ممهدة – دون الدخول في تفاصيل.

خامسا: بعد تلك الجرعات اليومية من "السطحية" و"تأصيل" النزعة الدينية الشكلية يكسب الإسلام السياسي مساحة واسعة يتحدث فيها بشعارات رنانة تبدو دينية ولا توضح أي تفاصيل. كانت مشكلة الإسلام السياسي دائما هي التساؤل: "ما هو برنامجكم السياسي" فيأتيك الرد: "الإسلام هو الحل" أو ما شابهها من الشعارات المطاطة التي لا تحمل ردا لا على اقتصاد ولا سياسة. وفي بيئة ممهدة يرد الناس: "الله، يا سلام" ولا يسأل أحد الأسئلة الأساسية الفاصلة. وعليه تصل لصناديق الانتخاب دون أن ترد على أي تساؤل مشروع من نوع: "ماذا لديك لتقدمه؟"

سادسا: حقق الحجاب مكسبا إضافيا جانبيا لم يكن محسوبا أرى إن الإخوان المسلمين بالذات تعاملوا معه بمنتهى الذكاء. فقد كانت مشكلة الزي المميز للمرأة في بداية ظهوره هي كونه فقير الهيئة، قبيح غالبا، حيث كانت تصميماته قليلة جدا وألوانه محدودة – لاحظ إن الحجاب ليس مجرد "تغطية الرأس" إنما تغطيتها بشكل معين يعلن عن انتماء صاحبته، فأنا من الممكن أن أرتدي غطاء للرأس مع أكمام طويلة في الشتاء ولا يحقق ذلك الغرض المطلوب – ولما كان فقير الهيئة وكانت النساء المصريات المحبات للألوان والاهتمام بمظهرهن والمعتادات على ذلك خاصة في البيئات الأغنى اقتصاديا على عكس الخليج مثلا الذي هبت منه تلك الأزياء، فقد كانت تلك مشكلة إضافية. ولست أدري من صاحب العقل الشيطاني الذي توصل لفكرة عبقرية، هي إنه مادام الهدف هو "العلامة"، فمن قال إنها لابد أن تكون مطابقة لمواصفات ما يسمي الحجاب الشرعي؟؟ صحيح إن الهدف المعلن هو ألا تلفت المرأة النظر ومن المستحيل أن تدير بصرك عن غطاء رأس أزرق مطعم بالأصفر الفاقع ملفوف بشكل معقد جدا، ولكن هذا غير مهم. فتعال معي لمجلة "حجاب فاشون"، ولأزياء تتنافس في لفت الأنظار، ومذيعات يرتدين ملابسا للدعاية، وبرنامجا تقدمه عارضة أزياء سابقة يخصص فقرات كاملة لـ"لفات الطرح" وممثلات خرجن علينا في مسلسلات يرتدين أغطية للرأس ليست مثالا للأناقة فحسب، إنما مثبتة للأعين عليهن لما فيها من إبداع وتعقيد وإطلاق لصرعات جديدة تتابعها الفتيات مثلما كن يتابعن تصفيفات الشعر. على استحياء تظهر تساؤلات مشروعة حول اتساق ذلك مع الهدف المفترض عمقه في الحجاب لكنها لا تلقى صدى ولا تشجيعا، فليس "العمق" من مصلحة الإسلام السياسي ولا من مصلحته أيضا أن يخسر ما كسبه من مساحة إضافية بجعل الحجاب في نفسه يفي بما يفترض إنه جاء لمنعه وبالتالي لا تتضايق الفتيات خاصة صغيرات السن أو يشعرن إنهن أقل جمالا أو جاذبية. أضف إلى ذلك التحرر من "حتمية" العناية بالشعر وهو أمر لو تعرفون هام بالنسبة للمرأة المصرية، وألاحظ إن أهم تساؤل يرد على ألسنة المحجبات بشأن شعورهن هو تساقطها، وأهم سبب لذلك – بعد أن يسألهن الطبيب ويرددن عليه – هو إنهن يغسلن شعورهن ثم يربطن غطاء الرأس ويخرجن وهو أمر صعب جدا أن تفعله امرأة مصرية دون أن تغطي شعرها: "حرية أن تغسله وتخرج وهو مبتل كما هو"، فهذا حق أصيل للرجال الذين يضعون رؤوسهم صباحا تحت الصنبور ويخرجون.

سابعا: بعد سنوات من الوسوسة في الآذان اكتسبت مسألة الزي المميز للمرأة قصورا ذاتيا فأصبحت تتطور وحدها، فلم يعد مهما أن تكون فتاة متدينة جدا، أو حتى تصلي كي ترتدي الحجاب، بل ولا حتى أن تكون مؤيدة للإسلام السياسي، ولكنها ستدافع بأسلوب محموم عن "الحجاب" و"كون المرأة عورة" وخلافه دفاعا عن نفسها أساسا وهو المكسب الأهم في نظري، إنك جعلت حتى من لن يعطوك أصواتهم في صناديق الانتخابات يعملون كدعاية لك بصبغ ما هو سطحي وما هو عام بصبغة دينية، وأظنها، لو كانت تلك الشطحات الفكرية لها أي قدر من الوجاهة، سابقة سياسية ليس لها مثيل!!

ثامنا: سيتبقى لنا الآن أن نتفرج على "مسخرة" دفاع الحكومة عن نفسها بإنها "متدينة أكثر من الإخوان" وإنها تستحق أن تبقى في الحكم لإنها حكومة مسلمة موحدة - وانظر للأزهر المتحدث باسمها إن كان لديك شك.

- يتبع -