دفاعا عن إله يقف وحيدا في نهاية الممر
كنت أحاول وبشدة تجاهل الحوار الدائر لدى عمرو عزت على تدوينة "فيما معناه" ولم أفلح لإنني وجدت تعليقات عمرو تستحق القراءة والتأمل ولو احتملنا في سبيل ذلك بضعة غصص في الحلق والتواء في الشفتين مع امتعاض خفيف يظهر في شكر حرقة معدة. كما وجدت المعلق الأساسي الآخر المسمي نفسه "فادي" منظم الحوار، فصعب التجاهل أكثر.
رأيت في جملة كتبها عمرو في بداية التعليقات تلخيصا للمسألة محل النقاش، وتلخيصا لمسألة التعايش الذي فشلت فيه شعوبنا بجدارة:
" (إذا كانت) حرية الآخرين و قيمهم الأخري توجعك إلي هذا الحد , فالأخلاق إذن هي تسلط علي الآخرين , و ليست شيئا يتعلق بك."
العالم بالفعل منقسم إلى قسمين أضداد: قسم يفهم إن الحياة كلها تدور في الداخل، وإنه ما من انتصار ولا أهمية لأي شيء سوى ما هو في داخل الانسان، وإن الأخلاق معنى أكبر من "إجبار الآخرعلى اعتناق ما أؤمن به من قيم"، وقسم يرى إن الانتصار هو أن يعتنق الآخرين قيمي "وهم صاغرون". ينظر الأُخر في دواخل أنفسهم في اللحظة الحرجة لاستلقاء الرأس على الوسادة فيجدون أنفسهم صفر اليدين، ما جنوا شيئا. فيستيقظون في الصباح لمزيد من الإجبار أو المحاولة عليه عل ذلك القلق المزمن يهدأ! .
وما دمنا مبتدءا في العبارات فسأورد بعضا مما حيرني، قبل أن أقول رأيي في النقاش. ومادام كل يكتب صفحتين فأنا أطالب بالصفحة بتاعتي! (للذكر مثل حظ الأنثيين). هو صحيح سؤال جانبي: لو أنني حامل في أنثى من حقي آخد زي الراجل ولا لأ؟
يقول الصارم الحاسم:
" في حين ان ترجمة ما تريد (الكلام موجه لعمرو عزت) هي اباحة السفور والخلاعة والاباحية والربا وزواج المسمات من غير المسلمين وعدم صيانة المجتمعات المسلمة"
أي تنطع في الحكم على ما يبطن الآخرون! ما هذا التسلط البشع؟ من هو هذا الإله الذي يدعون له؟ أهو بلطجي من أولئك الذين يلبسون أساور مسننة يرهبون بها الناس؟
وكالعادة، وفيما عدا الربا، فإن كل ما "كلامك ترجمته" يا عمرو هو إطلاق البعبع الأكبر: الجنس، سكس، المسلمات اللاتي سنتفتح أفخاذهن لمني غير المسلمين (بالتأكيد، فالعالم كله في انتظار انحلال المسلمات الجنسي لينقض عليهن) فيضيع شرف الإسلام المحفوظ كشرف كل القبائل بين أفخاذ النساء. فنحن مرضى بالجنس. لا نعيش إلا له، ولا نرى في الغرب إلا أخلاق جنسية تختلف عن أخلاقنا
وبعد، امتلئت التعليقات بعبارات تشبه ما يلي، أورد منها اثنين:
" ولو اصبحت يوما من رواد هذا الفكر فلتتحمل اوزارهم مع اوزارك يا عمرو دون ان تنقص من اوزارهم شيئا...لذا فقلت لك اتق الله تاني..اتق الله في نفسك قبل كل شئ يا عمرو بجد ...هذا ما يؤدي اليه الجدال ولي كلمات الله بدون اي دليل ولا برهان"
ها هو ذا الإله البلطجي يعود من جديد، ملوحا بمطواه أو قبضته أو "جنازيره" الشهيرة في وجهك طالما لم تكن "ولدا عاقلا" و"تسمع الكلام" وأنت صاغر! وتقول "ربي اغفر لي إني كنت من الظالمين!". وليس هذا لا سمح الله لإنك غير موحد أو غير مؤمن بالله أو بالقرآن أو برسالة رسوله أو برسوله نفسه أو لا تصلي أو لا تصوم أو لا تنطق الشهادتين، إنما لإنك تجرأت على التفكير بعقلك لا بعقول الآخرين. أو لنكن أكثر دقة: لإنك جرؤت على التفكير بعقلك لا "بعقله"!
ومنها إلى الضلالات العجيبة التي أصبحت أشبه بهستيريا عامة:
" الشعوب الآن تريد الاسلام لكن الحكومات الظالمة غربية وحتى اسلامية لا تريد اسلام."
لست أدري من أين أبدأ التساؤلات. لنبدأ بترتيب الكلمات:
1- أية شعوب؟
2- أي إسلام؟ الشيعي؟ أية فرقة منه؟ السني؟ أية فرقة منه؟ القرآني؟ أية فرقة منه؟
3- ما هي الحكومات الظالمة؟ ومن هي؟ وما هي المعايير التي "أثبتت" ظلمها؟
4- أي إسلام لا تريده هذه الحكومات المزعومة؟ السنة؟ أية فرقة؟ الشيعي؟ أية فرقة؟ القرآني؟ أية فرقة؟
5- ما هو "الإسلام"؟
كنت أظن- حتى وقت قريب – وقد أكون على خطأ أن المسلم هو من نطق الشهادتين جهرا. ولهذا السبب يعتبر نطق الشهادتين علامة الدخول في الاسلام. وما يحدث بعدهما لا يعني أن المرء خرج عن الاسلام إلا لو جاهربالكفر بالله أو برسالة رسوله. أما الخلافات بعد ذلك فلا تجعل من هذا إسلام ومن ذاك طعمية بالسمسم! إنما وجدت المعلق كلما جوبه بحقيقة من حقائق تاريخ "الإسلام" أو الأنظمة "الإسلامية" ادعى إن ذلك ليس "اسلاما"! بما في ذلك السعودية وإيران. وطبعا غني عن الإضافة إن الإسلام الوحيد الصحيح هو "إسلامه". فإسلام شخص مثل عمرو عزت مثلا سيؤدي به إلى التهلكة ويتحمل أوزار فكره وأوزار من يتبعون فكره.
.
".اما الآن فهم يسمون هذا ازدراءا للأديان ويختبئون وراء هذه الكلمة"
هذه الجملة من أعجب ما قرأت!!!! من "هم" الذين يسمون "المناقشة" ازدراء للأديان؟ هذه الجملة جملة قانونية - أظنها وقد أكون مخطئة "اختراع مصري" مسلطة على رقبة كل من يجاهر بمناقشة الاسلام ولو كان في الدانمارك! الغرابة هي أن نعتبر "المناقشة" المطلوبة هي أن يقول الآخر ما يعجبنا أو يطرح تساؤلاته التي تجعلنا نرد عليه بما يعيده عن غيه. وتساؤلاته تلك ما هي إلا المفاهيم الخاطئة التي وضعها في رأسه أعداء الاسلام فنرد ضاحدين غيهم وكذب فلاسفتهم بداية من سقراط مرورا بنيتشة وانتهاءا بشعبان عبد الرحيم مثبتين بما لا يدع مجالا للتفكير إن الإسلام أكيد هو الحقيقة الوحيدة في الدنيا فتنتهي المناقشة: بأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله!
ارجعوا لدينكم وتاريخكم وادرسوه..ولا تقيسوا على دين محرف - واكبر دليل على تحريفه هو فشله في بناء حضارة - وادت افعال اتباعه ومستغليه وهو منهم برئ " الى ما نراه اليوم من الحاد وتنحية للدين في العالم"
من ذا الذي قال إن دور الدين بناء حضارة؟ إنت؟ من تكون أنت؟ إنت واحد من بلايين يسكنون هذا الكوكب في
اللحظة الحاضرة وبلايين البلايين سكنوه قبلا كل منهم له فكره الخاص وكل ما يملكه من الحقيقة المادية هو تلك الصورة المطبوعة على قرنيته بالمقلوب!!!!
ومن هؤلاء المطلوب أن "يرجعوا لدينهم وتاريخهم"؟ النصارى كما يسميهم المعلق؟ ما للنصارى والمسألة محل النزاع؟ هل ادعي المعلق الآخر مثلا إنه "نصارى"؟ أصر الصارم الحاسم على إن "فادي" – المعلق الآخر – "نصارى" حتى آخر تعليق بالرغم من إن المعلق فادي قال أكثر من مرة إنه دهري. هل تاريخ أوروبا الوسطى هو تاريخ "الحكم المسيحي"؟ تاريخ أوروبا الوسطى هو تاريخ الحكم الديني بكل قذاراته وسوءاته أيا كان هذا الدين ولو حكم الله نفسه. وقد تنحى الله عن الحكم لإنه أذكى منا كثيرا – بطبيعة الحال. من قال إن ما تفعله الحكومات "الدينية" يؤخذ على الدين؟ لو كان الأمر كذلك لكان الاسلام في وضع لا يحسد عليه إطلاقا منذ أن نزل قبل أربعة عشر قرنا وحتى يومنا هذا!
مالك وما تراه من إلحاد؟ مالك تتدخل في علاقة الانسان بربه وهي أدخل الدواخل وأخص الخصوصيات؟ استح ... من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه!!! الاسلام ليس "عصابة" تطلب منضمين. الإسلام موضوع إيماني. ولن أعتبر حتى تلك العبارات التي قرأتها عن "توقيع" من يريدون الدخول في الإسلام أن يقتلوا لو ارتدوا. فأنا أرى إن هذه العبارة في حد ذاتها تحتاج إلى سنة على الأقل من العلاج النفسي. ثلاث مرات أسبوعيا، الجلسة 35 دقيقة وتكلف ثمانين جنيها، ولا يغطيها للأسف التأمين الصحي.
تنسون قرون من الحضارة كانت فيها اوروبا ترزخ تحت حكم دين وضعي""
أي كلمة هي الموصوفة بالوضعي؟ الحكم أم الدين؟
"حرية معاصي ايه بس التي تترك لحرية الفرد"
تعجبني دائما هذه العبارة حين أقرأها أو ما معناها. وكإن هناك قوة في الدنيا مهما كانت تستطيع منع "حرية المعاصي"!!!! لو كانت هناك قوة تستطيع ذلك لما احتجنا لا للثأر ولا للقصاص العادل ولا للقانون ولا لغيره! كل ما يملكه الثأر أو القصاص العادل أو القانون الوضعي أو الضرب على اليد أو كخ كدة هو "رفع ثمن الحرية"!!! إنما لا تستطيع أية قوة مهما كانت أن تنتزع حرية المعاصي أو غيرها من الفرد من الفرد!!! فلو قيدته وكبلته فعقله شارد: يلعن ويكفر ويعلن النيات "وإنما الأعمال بالنيات" ولو لم تستطع تنفيذها لإن أحد ملاك الحقيقة المطلقة وضعك في السجن لإنك جاهرت بإيمانك!
وهذه في رأيي هي عظمة فكرة "الله" كما أظنها. هو لا يريد طاعة مغصوبة ولو بغسيل المخ. يريد فعلا بحرية ولو اتيحت المعصية وهي قمة العلاقة بين الانسان والإله.
وسؤال جانبي آخر: من أين أتى ذلك التعبير: نصارى؟
المسيح "كان يدعى ناصريا" وعليه فأتباعه قد يسمون "ناصريين" مثله، إنما فضولا، من أين أتى لغويا ذلك التعبير الغريب: نصارى؟
" وان كل كنيسة وكل مذهب له ان يحذف ويضع بما شاء وكيف شاء"
ما هذا الهذيان؟ هل يصدق أحد هذه الهلوسة؟ هل يصدق هو نفسه؟ يا سيدي الغرض من التحريف لا يتحقق إلا لو لم جهلته العامة. اعطني مثلا بجزء من التوراة حذف أو أضيف باثبات علمي معقول. بل أنت تدعي إن كل مذهب أو كنيسة "له" أن يحذف ما يشاء! – ولا أريد أن أسمع عن اختلافات الترجمة. فأنا أكتب في عدة أماكن بالانجليزية والفرنسية وأعاني لإيجاد نسخة من القرآن ترضيني ترجمتها لاستعملها في ترجمة الآيات. بعض ما ادعي المعلق إنه مختوم من جامعة أم القرى ولا الأزهر ولا خلافه يحتوى على أخطاء رهيييييييييبة. بعضها فهما وبعضها لغة. للأسف اكتشفت هذه الحقيقة بالطريقة الصعبة حين استخدمت ترجمة معتمدة من الأزهر ونقلت عنها مطمئنة الضمير لأكتشف سذاجتي و براءة تفكيري والمصيبة التي فعلتها بأن نقلت الترجمة دون أن أنظر فإذا بالقرآن يقول إن المحيض "مرض"
!!!disease
"لا توجد نسختين متطابقتين من الإنجيل أو التوراة؟"
يا سلااااام؟ تحب أبعتلك كام نسخة متطابقة؟ خصوصا من التوراة؟ ما هذا الهذي؟
أما في العموم فإنني أجد صعوبة في فهم هؤلاء الذين يظنون إنهم ملاك حقيقة مطلقة لا تخصهم وحدهم إنما تفرض على الآخرين. ليه؟ هل يملكون رأسين ونملك رأسا؟ اصطفاهم الله ... كيف؟ هل من دلالة ممكنة القياس بمقياس حيادي على ذلك القياس؟ حفرية؟ رسالة في زجاجة؟ إيميل مثلا من ربنا؟ جواب؟ ميسد كول؟
لو أردت أن تعرف أسرع الأديان انتشارا فهو الالحاد ما يتبعه من اللاأدرية. وأنا أرى إننا – المؤمنين – السبب المباشر في ذلك. أي إله قدمنا للناس، خاصة أصحاب الانسانية العالية والحس المرهف والأخلاق الأرقى؟ قدمنا إلها "بلطجيا"، "قبضاي"، جبار، تقوم بسببه الحروب ويقتل الناس بعضهم تحت زعم "اصطفائه" لهم هم بالذات دونا عن الواقفين إلى جانبهم يدعون نفس الاصطفاء. لن أنسى إنني قرأت على مدونة مرة: "أنا ماليش دعوة بربنا الدموي بتاعكم ده إل بيخلي الناس تقتل بعضها. افتح الكتب المسماة سماوية واقرأي دعاوى الحرب والقتل والتدمير!!!"
جعلني كلامه أتفكر... كم حربا قامت بسبب الإلحاد أو حتى الوثنية وعبادة الأصنام؟ هل سمعت إن الملحدين خاضوا حربا لقتل المؤمنين أو لفرض الالحاد؟ الحروب والقتل من تخصص الأديان عموما وبرعت فيها ورفعتها إلى درجة الفن الأديان السماوية. وهذا هو الإله الذي نقدمه للعالم: إله لا يشبع إلا بالدم!
وعلى الهامش: الدهريين يختلفون عن الملحدين، يظن الصارم الحاسم أحيانا إن فادي مسيحي حين يروق له أن يعادي "الفريق الآخر" وملحد حين يبدو ذلك أكثر مناسبة. بينما أعلن هو إنه "دهري". ربما يكون دهري وملحد أيضا لا مانع، إنما يوجد من الدهريين من هم غير ملحدين، أي يؤمنون بالإله.
طبعا: أنا أكتب هذا الكلام لنفسي كنوع من الفضفضة لما يتملكني اليأس من أن يتعقل المؤمنون في يوم من الأيام ويرفعوا عن الله عار انتمائهم إليه، إنما لا أتوقع له جدوى، فالضلالة الأساسية في الحوار هي حقيقة مطلقة قسمت الدنيا إلى: مسلمين – متآمرين على الإسلام، لن يخضعوا إلا بالسيف أو أن يستمعوا "للحكمة التي ستقطر من أفواهنا" فيقولون آمين: أشهد أن لا إله إلا الله وإن محمدا رسول الله، ويا لزماننا الذي ضاع وقد ضحك علينا أربابنا وقسيسينا وحكوماتنا الظالمة والحمد لله الذي أتانا بمن يجعلنا أهل ذمة، ويخيرنا بين الحرب والجزية، ويتيح لنا حرية المناقشة شريطة أن نقول ما يعجبه عن دينه.
وجدتني أفكر أثناء ما أقرأ في معضلة أخرى لا أعرف كيف يتم تخطيها مع ملاك الحقيقة المطلقة. فعلى مدار مئة وما يزيد تعليق لدى عمرو يصر صاحب الحقيقة المطلقة إن كل شيء هو إما حرام وإما حلال وإن فرض الحلال واجب ولا مجال لأي ما بينهما. كيف؟ كيف تُفهمهم إن الحياة أوسع من مجرد ما هو حرام وما هو حلال وإن حلالك حرام آخر وحرامك حلال آخر وحرام زمنك حلال زمن آخر وحلال زمنك حرام زمن آخر وإن القطاع الأعرض من أفعال حياتنا لا يقع في نطاق الحرام والحلال بل يقع في نطاق خارج عنهما هو الصواب والخطأ الذي يتم قياسه على مجموعة معقدة من المتغيرات؟
ولن أتحدث حتى عن التعليق الذي يقول إن "البرقع" فرض إسلامي، فقد نفدت بطارياتي كلها!